" صفحة رقم ٢٨٧ "
والتفريع في قوله :( فإن كرهتموهن ( على لازم الأمر الذي في قوله :( وعاشروهن ( وهو النهي عن سوء المعاشرة، أي فإن وجد سبب سوء المعاشرة وهو الكراهية. وجملة ) فعسى أن تكرهوا ( نائبه مناب جواب الشرط، وهي عليه له فعلم الجواب منها. وتقديره : فتثبتوا ولا تعجلوا بالطلاق، لأن قوله ) فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً ( يفيد إمكان أن تكون المرأة المكروهة سببَ خيرات فيقتضي أن لا يتعجّل في الفراق.
و ) عَسَى ( هنا للمقاربة المجازية أو الترجّي. و ) أن تكرهوا ( سادَ مسدّ معموليها، ) وَيَجْعَلَ ( معطوف على ) تكرهوا (، ومناط المقاربةِ والرجاءِ هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه، بدلالة القرينة على ذلك.
وهذه حكمة عظيمة، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير فبعضه يمكن التوصّل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي. وبعضه قد علم الله أنّ فيه خيراً لكنّه لم يظهر للناس. قال سهل بن حنيف، حين مرجعه من صفّين ( اتَّهِموا الرأي فلقد رأيتُنا يَوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله أمْره لردَدْنا. واللَّه ورسولُه أعلم ). وقد قال تعالى، في سورة البقرة ) وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ( ( البقرة : ٢١٦ ).
والمقصود من هذا : الإرشادُ إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة. ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم، حتّى يسبره بمسبار الرأي، فيتحقّق سلامة حسن الظاهر من سُوء خفايا الباطن.
واقتصر هنا على مقاربة حصول الكراهية لشيء فيه خير كثير، دون مقابلة، كما في آية البقرة ( ٢١٦ ) ) وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم لأنّ المقام في سورة البقرة مقام بيان الحقيقة بطَرفيها إذ المخاطبون فيها كَرِهوا القتال، وأحبّوا السلم، فكان حالهم مقتضيا بيان أنّ القتال قد يكون هو الخير لما يحصل بعده من أمن دائم، وخضد شوكة العدوّ، وأنّ السلم قد تكون شرّا لما يحصل معها من