" صفحة رقم ١٠٢ "
وقد أفاد قوله :( فلا تخشوهم واخشون ( مفاد صيغة الحصر، ولو قيل : فإيّاي فاخشون لجرى على الأكثر في مقام الحصر، ولكن عُدل إلى جملتي نفي وإثبات : لأنّ مفاد كلتا الجملتين مقصود، فلا يحسن طيّ إحداهما. وهذا من الدواعي الصارفة عن صيغة الحصر إلى الإتيان بصيغتي إثبات ونفي، كقول السموأل أو عبد الملك بن عبد الرحيم الحارثيّ :
تَسيل على حدّ الظّبَاتتِ نفوسنا
ولَيْسَتْ على غير الظُبات تسيل
ونظيره قوله الآتي ) فلا تَخْشُوْا الناسَ واخشَون ( ( المائدة : ٤٤ ).
) الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً ).
إن كانت آية ) اليوم أكملت لكم دينكم ( نزَلت يوم حجّة الوداع بعد آية ) اليوم يئس الذين كفروا من دينكم ( بنحو العامين، كما قال الضحّاك، كانت جملة مستقلّة، ابتدائية، وكان وقوعها في القرآن، عقب التي قبلها، بتوقيف النبي ( ﷺ ) بجمعها مع نظيرها في إكمال أمر الدّين، اعتقاداً وتشريعاً، وكان اليوم المعهود في هذه غير اليوم المعهود في التي قبلها وإن كانتا نزلتا معاً يومَ الحجّ الأكبر، عام حجّة الوداع، وهو ما رواه الطبري عن ابن زيد وآخرين. وفي كلام ابن عطيّة أنَّه منسوب إلى عمر بن الخطّاب، وذلك هو الراجح الذي عَوّل عليه أهل العلم وهو الأصل في موافقة التلاوة للنزول، كان اليومُ المذكور في هذه وفي التي قبلها يوماً واحداً، وكانت هذه الجملة تعداداً لمنّة أخرى، وكان فصلُها عن التي قبلها جارياً على سنن الجمل التي تساق للتعداد في منَّة أو توبيخ، ولأجل ذلك : أعيد لفظ ) اليوم ( ليتعلّق بقوله ) أكملت (، ولم يستغن بالظرف الذي تعلّق بقوله :( يَئِسَ ( فلم يقل : وأكملت لكم دينكم.