" صفحة رقم ١٠٤ "
الوصول به إلى ما يحتاجونه في أمور دينهم. قال الشاطبي :( القرآن، مع اختصاره، جامع ولا يكون جامعاً إلاّ والمجموع فيه أمور كلّية، لأنّ الشريعة تمّت بتمام نزوله لقوله تعالى :( اليوم أكملت لكم دينكم (، وأنت تعلم : أنّ الصلاة، والزكاة، والجهاد، وأشباه ذلك، لم تبيّن جميع أحكامها في القرآن، إنَّما بيّنتها السُنَّة، وكذلك العاديّات من العقود والحدود وغيرها، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كليّاتها المعنويَّة، وجدناها قد تضمّنها القرآن على الكمال، وهي : الضروريّات، والحاجيات، والتحسينات وَمُكمل كلّ واحد منها، فالخارج عن الكتاب من الأدلّة : وهو السنّة، والإجماع، والقياس، إنَّما نشأ عن القرآن وفي الصحيح عن ابن مسعود أنَّه قال :( لَعَن الله والوَاشمَات والمستوشمات والواصلات والمستوصلات والمنتمصات للحسن المغيِّرات خلقَ الله ) فبلغ كلامه امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت :( لعنتَ كذا وكذا ) فذكرَتْه، فقال عبد الله :( وما لِي لا ألعن مَن لعنَ رسولُ الله وهو في كتاب الله )، فقالت المرأة :( لقد قرأت ما بين لَوْحَي المصحف، فما وجدتُه )، فقال :( لئن كنتتِ قرأتيه لقد وجدتيه ) : قال الله تعالى :( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ( ( الحشر : ٧ ) ) اه.
فكلام ابن مسعود يشير إلى أنّ القرآن هو جامع أصول الأحكام، وأنّه الحجّة على جميع المسلمين، إذ قد بلغ لجميعهم ولا يسعهم جهل ما فيه، فلو أنّ المسلمين لم تكن عندهم أثارة من علم غير القرآن لكفاهم في إقامة الدين، لأنّ كلّيّاته وأوامره المفصّلة ظاهرة الدلالة، ومجملاته تبعث المسلمين على تعرّف بيانها من استقراء أعمال الرسول وسلف الأمّة، المتلقّين عنه، ولذلك لمّا اختلف الأصحاب في شأن كتابة النبي لهم كتاباً في مرضه قال عمر : حسبنا كتاب الله، فلو أنّ أحداً قصر نفسه على علم القرآن فوجد ) أقيموا الصلاة ( ( البقرة : ٤٣ ) و ) آتوا حقّه يوم حصاده ( ( الأنعام : ١٤١ ) و ) كُتب عليكم الصيام ( ( البقرة : ١٨٣ ) و ) أتِمّوا الحجّ والعمرة لله ( ( البقرة : ١٩٦ )، لتطلّب بيان ذلك ممّا تقرّر من عمل سلف الأمّة،