" صفحة رقم ١٠٦ "
من أداء حجّهم دون معارض، وقد كمل أيضاً سلطان الدين بدخول الرسول إلى البلد الذي أخرجوه منه، ومكّنه من قلب بلاد العرب. فالمراد من الدين دين الإسلام وإضافته إلى ضمير المسلمين لتشريفهم بذلك.
ولا يصحّ أن يكون المراد من الدين القرآن : لأنّ آيات كثيرة نزلت بعد هذه الآية، وحسبك من ذلك بقيّة سورة المائدة وآية الكلالة، التي في آخر النساء، على القول بأنَّها آخر آية نزلت، وسورة ) إذا جاء نصر الله ( ( النصر : ١ ) كذلك، وقد عاش رسول الله ( ﷺ ) بعد نزول آية ) اليوم أكملت لكم دينكم ( نحواً من تسعين يوماً، يوحى إليه. ومعنى ( اليوم ) في قوله :( اليوم أكملت لكم دينكم ( نظير معناه في قوله :( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم.
وقوله : وأتممت عليكم نعمتي ( إتمام النعمة : هو خلوصها ممّا يخالطها : من الحرج، والتعب. وظاهره أنّ الجملة معطوفة على جملة ) أكملت لكم دينكم ( فيكون متعلَّقاً للظرف وهو اليوم، فيكون تمام النعمة حاصلاً يوم نزول هذه الآية. وإتمام هذه النعمة هو زوال ما كانوا يلقونه من الخوف فمكّنهم من الحج آمين، مؤمنين، خالصين، وطوّع إليهم أعداءهم يوم حجّة الوداع، وقد كانوا من قبل في نعمة فأتمّها عليهم، فلذلك قيّد إتمام النعمة بذلك اليوم، لأنّه زمان ظهور هذا الإتمام : إذ الآية نازلة يوم حجّة الوداع على أصحّ الأقوال، فإن كانت نزلت يوم فتح مكة، وإن كان القول بذلك ضعيفاً، فتمام النعمة فيه على المسلمين : أنْ مكّنهم من أشدّ أعدائهم، وأحرصهم على استئصالهم، لكن يناكده قوله :( أكملت لكم دينكم ( إلاّ على تأويلات بعيدة.
وظاهر العطف يقتضي : أنّ تمام النعمة منَّة أخرى غير إكمال الدين،