" صفحة رقم ١٠٩ "
يفصح عن هذا الشرط المعرب عن أحوالهم بتقدير : فإن خشيتم الهلاك في مخمصة فمن اضطرّ في مخمصة الخ. ولا تصلح الفاء على هذا الوجه للعطف : إذ ليس في الجمل السابقة من جمل التحريم ما يصلح لعطف ( من اضطرّ في مخمصة ) عليه.
والأحسن عندي أن يكون موقع ) فمن اضطرّ في مخمصة ( متّصلاً بقوله :( ورضيت لكم الإسلام ديناً (، اتّصال المعطوف بالمعطوف عليه، والفاء للتفريع : تفريع منّة جزئيّة على منّة كلّيّة، وذلك أنّ الله امتَنّ في هذه الجمل الثلاث بالإسلام ثلاث مرّات : مرّة بوصفه في قوله ) دينكم (، ومرّة بالعموم الشامل له في قوله :( نعمتي (، ومرّة باسمه في قوله :( الإسلام ( ؛ فقد تقرّر بينهم : أنّ الإسلام أفضل صفاته السماحة والرفق، من آيات كثيرة قبل هذه الآية، فلمّا علمَهم يوجسون خيفة الحاجة في الأزمات بعد تحريم ما حرّم عليهم من المطعومات، وأعقب ذلك بالمنّة ثم أزال عقب ذلك ما أوجسوه من نفوسهم بقوله :( فمن اضطر ( الخ ؛ فناسب أن تعطف هاته التوسعة، وتفرّع على قوله :( ورضيتُ لكم الإسلام ديناً ( وتُعَقَّب المنّة العامّة بالمنّة الخاصّة.
والاضطرار : الوقوع في الضرورة، وفعله غلب عليه البناء للمجهول، وقد تقدّم بيانه عند قوله تعالى :( ثم اضطرّه إلى عذاب النار في سورة البقرة ( ١٢٦ ).
والمخمصة : المجاعة، اشتقّت من الخَمَص وهو ضمور البطن، لأنّ الجوع يضمر البطون، وفي الحديث تغدو خِماصاً فتروح بِطَاناً.
والتجانف : التمايل، والجَنَف : الميل، قال تعالى : فمن خَاف من موص جَنَفَا ( ( البقرة : ١٨٢ ) الآية. والمعنى أنّه اضطرّ غير مائل إلى الحرام من أخذ أموال الناس، أو من مخالفة الدين. وهذه حال قصد بها ضبط حالة الاضطرار في الإقدام والإحجام، فلا يقدم على أكل المحرّمات إذا كان رائماً بذلك تناولها مع ضعف الاحتياج، ولا يحجم عن تناولها إذا خشي أن