" صفحة رقم ١١٢ "
والإعلام بأنّ ما أحلّه الله لهم فهو طيّب، إبطالاً لِما اعتقدوه في زمن الشرك : من تحريم ما لا موجب لتحريمه، وتحليل ما هو خبيث. ويدلّ لذلك تكرّر ذكر الطيّبات مع ذكر الحلال في القرآن، مثل قوله :( اليومَ أحلّ لكم الطيّبات ( ( المائدة : ٥ ) وقولِه في الأعراف ( ١٥٧ ) :( ويُحلّ لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث. وعن الشافعي : الطيّبات : الحلال المستلذّ، فكلّ مستقذر كالوزغ فهو من الخبائث حرام. قال فخر الدين : العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة، فإنّ أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات، وتتأكّد دلالة هذه الآيات بقوله تعالى : خلق لكم ما في الأرض جميعاً ( ( البقرة : ٢٩ ) فهذا يقتضي التمكّن من الانتفاع بكل ما في الأرض، إلاُّ أنّه دخله التخصيص بحرمة الخبائث، فصار هذا أصلاً كبيراً في معرفة ما يحلّ ويحرم من الأطعمة. منها أنّ لحم الخيل مباح عند الشافعي. وقال أبو حنيفة : ليس بمباح. حجّة الشافعي أنّه مستلذّ مستطاب، والعلم بذلك ضروري، وإذا كان كذلك وجب أن يكون حلالاً، لقوله تعالى :( أحل لكم الطيبات ). وفي ( شرح الهداية ) في الفقه الحنفي لمحمد الكاكي ( أنّ ما استطابه العرب حلال، لقوله تعالى :( ويحلّ لهم الطيّبات ( ( الأعراف : ١٥٧ )، وما استخبثه العرب حرام، لقوله :( ويحرّم عليهم الخبائث ( ( الأعراف : ١٥٧ ). والذين تعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لأنّ القرآن أنزل عليهم وخوطبوا به، ولم يُعتبر أهل البوادي لأنّهم يأكلون ما يجدون للضرورة والمجاعة. وما يوجد في أمصار المسلمين ممّا لا يعرفه أهل الحجاز رُدّ إلى أقرب مَا يشبهه في الحجاز اه. وفيه من التحكّم في تحكيم عوائد بعض الأمّة دون بعض ما لا يناسب التشريع العامّ، وقد استقذر أهل الحجاز لحم الضبّ بشهادة قوله ( ﷺ ) في حديث خالد بن الوليد :( ليس هو من أرض قومي فأجدني أعافه ) ومع ذلك لم يحرّمه على خالد.
والذي يظهر لي : أنّ الله قد ناط إباحة الأطعمة بوصف الطيّب فلا جرم أن يكون ذلك منظوراً فيه إلى ذات الطعام، وهو أن يكون غير ضارّ ولا مستقذر ولا مناف للدين، وأمارة اجتماع هذه الأوصاف أن لا يحرّمه