" صفحة رقم ١١٧ "
وأمّا شرط الإمساك لأجل الصائد : فهو يعرف بإمساكها الصيد بعد إشلاء الصائد إيّاها، وهو الإرسال من يده إذا كان مشدوداً، أو أمرُه إيّاها بلفظ اعتدات أن تفهم منه الأمر كقوله :( هذا لَكِ ) لأنّ الإرسال يقوم مقام نية الذكاة. ثم الجارح ما دام في استرساله معتبر حتّى يرجع إلى ربّه بالصيد. واختلفوا في أكل الجارح من الصيد قبل الإتيان به إلى ربّه هل يبطل حكم الإمساك على ربّه : فقال جماعة من الصحابة والتابعين : إذا أكل الجارح من الصيد لم تؤكل البقية ؛ لأنّه إنَّما أمسك على نفسه، لا على ربّه. وفي هذا المعنى حديث عديّ بن حاتم في الصحيح : أنَّه سأل رسول الله ( ﷺ ) عن الكلب، فقال :( وإذا أكَل فلا تأكل فإنَّما أمسك على نفسه ). وبه أخذ الشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وإسحاق. وقال جماعة من الصحابة : إذا أكل الجارح لم يضرّ أكله، ويؤكل ما بقي. وهو قول مالك وأصحابه : لحديث أبي ثَعْلبة الخُشَني، في ( كتاب أبي داوود ) : أنّه سأل رسول الله ( ﷺ ) فقال :( وإن أكل منه ). ورام بعض أصحابنا أن يحتجّ لهذا بقوله تعالى :( ممّا أمسكن عليكم ( حيث جاء بمن المفيدة للتبعيض، المؤذنة بأنّه يؤكل إذا بَقي بعضه، وهو دليل واه فقد ذكرنا آنفاً أنَّ ( مِن ) تدخل على الاسم في مِثل هذا وليس المقصود التَّبعيض، والكلب أو الجارح، إذا أشلاه القنّاص فانشلى، وجاء بالصيد إلى ربّه. فهو قد أمسكه عليه وإن كان قد أكل منه، فقد يأكل لفرط جوع أو نسيان. ونحا بعضهم في هذا إلى تحقيق أنّ أكل الجارح من الصيد هل يقدح في تعليمه، والصواب أنّ ذلك لا يقدح في تعليمه، إذا كانت أفعاله جارية على وفق أفعال الصيد، وإنما هذا من الفلتة أو من التهوّر. ومَال جماعة إلى الترخيص في ذلك في سباع الطير خاصّة، لأنّها لا تفقه من التعليم مَا يَفقه الكلب، وروي هذا عن ابن عباس، وحمّاد، والنخعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور.
وقد نشأ عن شرط تحقّق إمساكه على صاحبه مسألة لو أمسك الكلب أو الجارح صيداً لم يره صاحبه وتركه ورجع دونه، ثم وجد الصائد


الصفحة التالية
Icon