" صفحة رقم ١٢١ "
لا تظنّ بهم مخالفتها، وهي مستندة للوحي الإلهي، بخلاف المشركين وعبدة الأوثان. وأمّا المجوس فلهم كتاب لكنّه ليس بالإلهي، فمنهم أتباع ( زَرَادشْت )، لهم كتابُ ( الزندفستا ) وهؤلاء هم محلّ الخلاف. وأمّا المجوس ( المَانَويَّة ) فهم إباحية فلا يختلف حالهم عن حال المشركين وعبدة الأوثان، أو هم شرّ منهم. وقد قال مالك : ما ليس فيه ذكاة من طعام المجوس فليس بحرام يعني إذا كانوا يتّقون النجاسة. وفي ( جامع الترمذي ) : أنّ أبا ثعلبة الخشني سأل رسول الله ( ﷺ ) عن قدور المجوس. فقال له :( أنْقُوها غسلاً واطبخوا فيها ). وفي البخاري : أنّ أبا ثعلبة سأل رسول الله ( ﷺ ) عن آنِيَة أهل الكتاب. فقال له :( إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها ثمّ كلوا فيها ). قال ابن العربي :( فغسل آنية المجوس فرض، وغسل آنية أهل الكتاب ندب ). يُريد لأنّ الله أباح لنا طعام أهل الكتاب فقد علم حالهم، وإنَّما يسري الشكّ إلى آنيتهم من طعامهم وهو مأذون فيه، ولم يبح لنا طعام المجوس، فذلك منزع التفرقة بين آنية الفريقين.
ثم الطعامُ الشامل للذكاة إنّما يعتبر طعاماً لهم إذاكانوا يستحلّونه في دينهم، ويأكله أحبارهم وعلماؤهم، ولو كان ممّا ذكر القرآنُ أنَّه حرّمه عليهم، لأنَّهم قد تأوّلوا في دينهم تأويلات، وهذا قول مالك. وأرى أنّ دليله : أنّ الآية عمّمت طعامهم فكان عمومها دليلاً للمسلمين، ولا التفات إلى ما حكَى الله أنّه حرّمه عليهم ثم أباحه للمسلمين، فكان عموم طعامهم في شرعنا مُباحاً ناسخاً للمحرّم عليهم، ولا نصِيرُ إلى الاحتجاج ( بشرع من قبلنا... ) إلاّ إذا لم يكن لنا دليل على حُكمهِ في شرعنا. وقيل : لا يؤكل ما علِمْنا تحريمه عليهم بنصّ القرآن، وهو قول بعض أهل العلم، وقيل به في مذهب مالك، والمعتمد عن مالك كراهة شحوم بقر وغنم اليهود من غير تحريم ؛ لأنّ الله ذكر أنه حرّم عليهم الشحوم.


الصفحة التالية
Icon