" صفحة رقم ١٣٠ "
وقد اختلف الأيمّة في أنّ المرافق مغسولة أو متروكة، والأظهر أنّها مغسولة لأنّ الأصل في الغاية في الحدّ أنّه داخل في المحدود. وفي ( المدارك ) أنّ القاضي إسماعيل بن إسحاق سئل عن دخول الحدّ في المحدود فتوقّف فيها. ثمّ قال للسائل بعد أيّام : قرأت ( كتاب سيبويه ) فرأيت أنّ الحدّ داخل في المحدود. وفي مذهب مالك : قولان في دخول المرافق في الغسل، وأوْلاهما دخولهما. قال الشيخ أبو محمد : وإدخالهما فيه أحوط لزوال تَكلُّف التحديد. وعن أبي هريرة : أنّه يغسل يديه إلى الإبطين، وتؤوّل عليه بأنّه أراد إطالة الغُرّة يوم القيامة. وقيل : تكره الزيادة.
وقوله :( وأرجلكم ( قرأه نافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم، وأبو جعفر، ويعقوبُ بالنّصب عطفاً على ) وأيديكم ( وتكون جملة ) وامسحوا برؤوسكم ( معترضة بين المتعاطفين. وكأنّ فائدة الاعتراض الإشارة إلى ترتيب أعضاء الوضوء لأنّ الأصل في الترتيب الذكري أن يدلّ على التّرتيب الوجودي، فالأرجل يجب أن تكون مغسولة ؛ إذ حكمة الوضوء وهي النّقاء والوضاءة والتنظّف والتأهّب لمناجاة الله تعالى تقتضي أن يبالغ في غسل ما هو أشدّ تعرّضاً للوسخ ؛ فإنّ الأرجل تلاقي غبار الطرقات وتُفرز الفضلات بكثرة حركة المشي، ولذلك كان النّبيء ( ﷺ ) يأمر بمبالغة الغسل فيها، وقد نادَى بأعلى صوته للذي لم يُحسن غسل رجليه ( وَيْلٌ للأعقاب من النّار ).
وقرأه ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم، وخلف بخفض ) وأرجلكم ). وللعلماء في هذه القراءة تأويلات : منهم من أخذ بظاهرها فجعل حكمَ الرجلين المسح دون الغسل، وروي هذا عن ابن عبّاس، وأنس بن مالك، وعكرمة، والشعبي، وقتادة. وعن أنس بن مالك أنّه بلغه أنّ الحجّاج خطب يوماً بالأهواز فذكر الوضوء فقال :( إنَّه ليس شيء من ابن آدم أقربَ مِن خبثه مِن قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما ) فسمع ذلك أنس بن مالك فقال : صدق اللّهُ وكذب الحجّاج قال الله تعالى :( وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم ). ورويت عن أنس رواية أخرى : قال نزل القرآن بالمسح والسنّة


الصفحة التالية
Icon