" صفحة رقم ١٣٥ "
فيها أمرَ العدل فالشهادةِ. فلذلك قدّم فيها ) كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ( ( النساء : ١٣٥ ) ؛ فالقسط فيها هو العدل في القضاء، ولذلك عدّي إليه بالباء، إذ قال :( كونوا قوامين بالقسط ( ( النساء : ١٣٥ ).
وأمّا الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها فهي واردة بعد التذكير بميثاق الله، فكان المقام الأوّل للحصّ على القيام لله، أي الوفاء له بعهودهم له، ولذلك عدّي قوله :( قوّامين ( باللام. وإذ كان العهد شهادة أتبع قولُه :( قوّامين لله ( بقوله :( شهداء بالقسط (، أي شهداء بالعدل شهادة لا حيف فيها، وأولَى شهادة بذلك شهادتهم لله تعالى. وقد حصل من مجموع الآيتين : وجوب القيام بالعدل، والشهادة به، ووجوب القيام لله، والشهادة له.
وتقدّم القول في معنى ) ولا يجرمنَّكم شنئان قوم ( قريباً، ولكنّه هنا صرّح بحرف ( على ) وقد بيّناه هنالك. والكلام على العدل تقدّم في قوله :( وإذا حكمتم بين النّاس أن تحكموا بالعدل ( ( النساء : ٥٨ ).
والضمير في قوله :( هو أقرب ( عائد إلى العدل المفهوم من ) تعدلوا (، لأنّ عود الضمير يُكتفى فيه بكلّ ما يفهم حتّى قد يعودُ على ما لا ذكر له، نحو ) حتّى توارتْ بالحجاب ( ( ص : ٣٢ ). على أنّ العرب تجعل الفعل بمعنى المصدر في مراتب :
المرتبة الأولى : أن تدخُل عليه ( أن ) المصدرية.
الثّانية : أن تُحذف ( أن ) المصدريّة ويبقى النصب بها، كقول طرفة :
ألا أيّهذَا الزاجري أحْضُرَ الوغى
وأن أشهدَ اللذاتتِ هَلْ أنت مُخلدي
بنصب ( أحضرُ ) في رواية، ودلّ عليه عطف ( وأن أشهد ).