" صفحة رقم ٧٦ "
الصيغة نحو الإشارة للأبكم، ونحو المعاطاة في البيوع. والعقود التي اعتبر الشرع في انعقادها الشروعَ فيها بعد الصيغة تلزم بالشروع، كالجُعل والقِراض. وتمييزُ جزئيَّات أحد النوعين من جزئيات الآخر مجال للاجتهاد.
وقال القرافيّ في الفرق التاسع والمائتين : إنّ أصل العقود من حيث هي اللزوم، وإنّ ما ثبت في الشرع أو عند المجتهدين أنّه مبنيّ على عدم اللزوم بالقول فإنَّما ذلك لأنّ في بعض العقود خفاء الحقّ الملتزم به فيُخشى تطرّق الغرر إليه، فوسَّع فيها على المتعاقدين فلا تلزمهم إلاّ بالشروع في العمل، لأنّ الشروع فرع التأمّل والتدبّر. ولذلك اختلف المالكيَّة في عقود المغارسة والمزارعة والشركة هل تلحق بما مصلحته في لزومه بالقول، أو بما مصلحته في لزومه بالشروع. وقد احتجّ في الفرق السادس والتسعين والمائة على أنّ أصل العقود أن تلزم بالقول بقوله تعالى : أوفوا بالعقود }. وذكر أنّ المالكيَّة احتجّوا بهذه الآية على إبطال حديث : خيار المجلس ؛ يعني بناء على أنّ هذه الآية قرّرت أصلاً من أصول الشريعة، وهو أنّ مقصد الشارع من العقود تمامها، وبذلك صار ما قرّرته مقدّماً عند مالك على خبر الآحاد، فلذلك لم يأخذ مالك بحديث ابن عمر ( المتبايعان بالخيار ما لم يتفرّقا ).
واعلم أنّ العقد قد ينعقد على اشتراط عدم اللزوم، كبيع الخيار، فضبطه الفقهاء بمدّة يحتاج إلى مثلها عادة في اختيار المبيع أو التشاور في شأنه.
ومن العقود المأمور بالوفاء بها عقود المصالحات والمهادنات في الحروب، والتعاقد على نصر المظلوم، وكلّ تعاقد وقع على غير أمر حرام، وقد أغنت أحكام الإسلام عن التعاقد في مثل هذا إذ أصبح المسلمون كالجسد الواحد، فبقي الأمر متعلّقاً بالإيفاء بالعقود المنعقدة في الجاهلية على نصر المظلوم ونحوه : كحلف الفضول. وفي الحديث :( أوفُوا


الصفحة التالية
Icon