" صفحة رقم ٩٢ "
وتأنيث النطيحة مثل تأنيث المنخنقة، وظهرت علامة التأنيث في هذه الأوصاف وهي من باب فَعيل بمعنى مفعول لأنَّها لم تجر على موصوف مذكور فصارت بمنزلة الأسماء.
) وما أكل السبع ( : أي بهيمة أكَلَها السبع، والسبع كلّ حيوان يفترس الحيوان كالأسد والنمر والضبع والذئب والثعلب، فحرّم على الناس كلّ ما قتله السبع، لأنّ أكيلة السبع تموت بغير سفح الدم غالباً بل بالضرب على المقاتل.
وقوله :( إلاّ ما ذكّيتم ( استثناء من جميع المذكور قبله من قوله :( حرّمت عليكم الميتة ( ؛ لأنّ الاستثناء الواقع بعد أشياء يصلح لأن يكون هو بعضها، يرجع إلى جميعها عند الجمهور، ولا يرجع إلى الأخيرة إلاّ عند أبي حنيفة والإمام الرازي، والمذكورات قبلُ بعضها محرّمات لذاتها وبعضها محرّمات لصفاتها. وحيث كان المستثنى حالاً لا ذاتاً، لأنّ الذكاة حالة، تعيَّن رجوع الاستثناء لِما عدا لحمَ الخنزير، إذ لا معنى لتحريم لحمه إذا لم يُذكّ وتحليلِه إذا ذكِّي، لأنّ هذا حكم جميع الحيوان عند قصد أكله. ثم إنّ الذكاة حالة تقصد لقتل الحيوان فلا تتعلّق بالحيوان الميّت، فعُلِم عدم رجوع الاستثناء إلى الميْتة لأنَّه عبث، وكذلك إنَّما تتعلّق الذكاة بما فيه حياة فلا معنى لتعلّقها بالدم، وكذا ما أهِلّ لغير الله به، لأنهم يهلّون به عند الذكاة، فلا معنى لتعلّق الذكاة بتحليله، فتعيّن أنّ المقصود بالاستثناء : المنخنقة، والموقوذة، والتمردّية، والنطيحة، وما أكل السبع، فإنّ هذه المذكورات تعلّقت بها أحوال تفضي بها إلى الهلاك، فإذا هلكت بتلك الأحوال لم يُبح أكلها لأنّها حينئذٍ ميْتة، وإذا تداركوها بالذكاة قبل الفوات أبيح أكلها. والمقصود أنّها إذا ألحقت الذكاة بها في حالة هي فيها حيّة. وهذا البيان ينبّه إلى وجه الحصر في قوله تعالى :( قل لا أجدُ فيما أوحي إليّ محرّماً على طاعم يطعمه إلاّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً