" صفحة رقم ٩٤ "
الجنس، وقيل : هو جمع وواحده نِصاب، ويقال : نَصْب بفتح فسكون ) كأنّهم إلى نَصْب يوفضون ( ( المعارج : ٤٣ ). وهو قد يطلق بما يرادف الصنم، وقد يخصّ الصنم بما كانت له صورة، والنصُب بما كان صخرة غير مصوّرة، مثل ذي الخَلصة ومثل سَعْد. والأصحّ أنّ النصب هو حجارة غير مقصود منها أنَّها تمثال للآلهة، بل هي موضوعة لأنّ تذبح عليها القرابين والنسائك التي يتقرّب بها للآلهة وللجنّ، فإنّ الأصنام كانت معدودة ولها أسماء وكانت في مواضع معيّنة تقصد للتقرّب. وأمّا الأنصاب فلم تكن معدودة ولا كانت لها أسماء وإنَّما كانوا يتّخذها كلّ حَيّ يتقرّبون عندها، فقد روى أيمَّة أخبار العرب : أنّ العرب كانوا يعظّمون الكعبة، وهم ولد إسماعيل، فلمّا تفرّق بعضهم وخرجوا من مكة عظم عليهم فراق الكعبة فقالوا : الكعبةُ حجر، فنحن ننصب في أحيائنا حجارة تكون لنا بمنزلة الكعبة، فنصبوا هذه الأنصاب، وربما طافوا حولها، ولذلك يسمّونها الدّوار بضمّ الدال المشدّدة وبتشديد الواو ويذبحون عليها الدماء المتقرّب بها في دينهم. وكانوا يطلبون لذلك أحسن الحجارة. وعن أبي رجاء العطاردي في ( صحيح البخاري ) : كنّا نعبد الحجر فإذا وجدنا حجراً خيراً منه ألقينا الأوّل وأخذنا الآخر فإذا لم نجد حجراً ( أي في بلاد الرمل ) جمعنا جُثوة من تراب ثم جئنا بالشاة فحلبناها عليه ليصير نظير الحجر ثمّ طفنا به.
فالنصب : حجارة أعدّت للذبح وللطواف على اختلاف عقائد القبائل : مِثل حجر الغَبْغَببِ الذي كان حول العُزّى. وكانوا يذبحون على الأنصاب ويشرّحون اللحم ويشوونه، فيأكلون بعضه ويتركون بعضاً للسدنة، قال الأعشى، يذكر وصايا النبي ( ﷺ ) في قصيدته التي صنعها في مدحه :
وذا النُصُبَ المَنْصُوب لا تَنْسُكَنَّه


الصفحة التالية
Icon