" صفحة رقم ٩٦ "
قالت له : أتخشى على الصبية من ذي الشَّرَى ( صَنَممِ دوس ). فقال : لا، أنا ضامن، فأسلمتْ، ونحو ذلك، فقد يكون منهم من استمرّ على ذبح بعض الذبائح على الأنصاب التي في قبائلهم على نيّة التداوي والانتشار، فأراد الله تنبيههم وتأكيد تحريم ذلك وإشاعته. ولذلك ذِكر في صدر هذه السورة وفي آخرها عند قوله :( يأيها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رِجس من عمل الشيطان ( ( المائدة : ٩٠ ) الآيات.
) وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالاَْزْلاَمِ ذاَلِكُمْ فِسْقٌ ).
الشأن في العطف التناسب بين المتعاطفات، فلا جرم أنّ هذا المعطوف من نوع المتعاطفات التي قبله، وهي المحرّم أكلها. فالمراد هنا النهي عن أكل اللحم الذي يستقسمون عليه بالأزلام، وهو لحم جزور الميسر لأنّه حاصل بالمقامرة، فتكون السين والتاء في ) تستقسموا ( مزيدتين كما هما في قولهم : استجاب واستراب. والمعنى : وأن تقسموا اللحم بالأزلام.
ومن الاستقسام بالأزلام ضرب آخر كانوا يفعلونه في الجاهلية يتطلّبون به معرفة عاقبة فعل يريدون فعله : هل هي النجاح والنفع أو هي خيبة وضرّ ؟. وإذ قد كان لفظ الاستقسام يشمله فالوجه أن يكون مراداً من النهي أيضاً، على قاعدة استعمال المشترك في معنييه، فتكون إرادته إدماجاً وتكون السين والتاء للطلب، أي طلب القِسم. وطلب القِسم بالكسر أي الحظّ من خير أو ضدّه، أي طلب معرفته. كان العرب، كغيرهم من المعاصرين، مولَعين بمعرفة الاطِّلاع على ما سيقع من أحوالهم أو على ما خفي من الأمور المكتومة، وكانوا يتوهّمون بأنّ الأصنام والجنّ يعلمون تلك المغيّبات فسوّلت سدنة الأصنام لهم طريقة يُموّهون عليهم بها فجعلوا أزلاماً. والأزلام جمع زَلَم بفتحتين ويقال له : قدح بكسر القاف وسكون الدال وهو عود سهم لا حديدة فيه.