" صفحة رقم ١٢٦ "
فالمعنى هنا أنّ الحمد كُلّه لا يستحقّه إلاّ الله، وهذا قصر إضافي للردّ على المشركين الذين حمدوا الأصنام على ما تخيّلوه من إسدائها إليهم نعماً ونصراً وتفريج كربات، فقد قال أبو سفيان حين انتصر هو وفريقه يوم أحُد : أعلُ هُبل لنا العُزّى ولا عُزّى لكم. ويجوز أن يكون قصراً حقيقياً على معنى الكمال وأنّ حمد غيره تعالى من المنعمين تسامح لأنّه في الحقيقة واسطة صورية لجريان نعمة الله على يديه، والمقصود هو هو، وهو الردّ على المشركين، لأنّ الأصنام لا تستحقّ الحمد الصوري بله الحقيقي كما قال إبراهيم عليه السلام ( لمَ نعْبُدُ ما لا يسمع ولا يُبْصر ولا يُغْني عنك شيئاً ). ولذلك عقّبت جملة الحمد على عظيم خلق الله تعالى بجملة ) ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ).
والموصول، في محلّ الصفة لاسم الجلالة، أفاد مع صلته التذكير بعظيم صفة الخلق الذي عمّ السماوات والأرض وما فيهنّ من الجواهر والأعراض. وذلك أوجز لفظ في استحضار عظمة قدرة الله تعالى. وليس في التعريف بالموصولية هنا إيذان بتعليل الجملة التي ذكرت قبله، إذ ليست الجملة إنشائية كما علمت. والجملة الخبرية لا تعلّل، لأنّ الخبر حكاية ما في الواقع فلا حاجة لتعليله. فالمقصود من الأوصاف التمهيد لقوله بعدُ ) ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ).
وجمع :( السماوات ( لأنّها عوالم كثيرة، إذ كلّ كوكب منها عالم مستقلّ عن غيره، ومنها الكواكب السبعة المشهورة المعبّر عنها في القرآن بالسماوات السبع فيما نرى. وأفرد الأرض لأنّها عالم واحد، ولذلك لم يجيء لفظ الأرض في القرآن جمعاً.
وقوله :( وجعل الظلمات والنور ( أشار في ( الكشاف ) أنّ ( جعلَ ) إذا تعدّى إلى مفعول واحد فهو بمعنى أحدث وأنشأ فيقارب مرادفة معنى ( خلق ). والفرق بينه وبين ( خلق ) ؛ فإنّ في الخلق ملاحظة معنى التقدير، وفي الجعل ملاحظة معنى الانتساب، يعني كون المجعول مخلوقاً لأجل غيره أو منتسباً إلى غيره، فيعْرف المنتسب إليه بمعونة المقام. فالظلمات والنور لمّا كانا عرضين كان خلقهما تكويناً لتُكيَّف موجودات السماوات والأرض بهما. ويعرف ذلك بذكر ) الظلمات والنور ( عقب ذكر ) السماوات والأرض (، وباختيار لفظ الخلق للسماوات والأرض، ولفظ الجعل للظلمات