" صفحة رقم ١٢٩ "
مشركو العرب يقولون : لَبَّيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وكما قالت الصابئة في الأرواح، والنصارى في الابن والروح القدس.
ومعنى العجيب عامّ في أحوال الذين ادّعوا الإلهيّة لغير الله تعالى سواء فيهم من كان أهلاً للاستدلال والنظر في خلق السماوات والأرض ومن لم يكن أهلاً لذلك، لأنّ محلّ التعجيب أنّه يخلقهم ويخلق معبوداتهم فلا يهتدون إليه بل ويختلقون إلهيّة غيره. ومعلوم أنّ التعجيب من شأنهم متفاوت على حسب تفاوت كفرهم وضلالهم.
) ) هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى
أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ).
استئناف لغرض آخر للتعجيب من حال المشركين إذ أنكروا البعث، فإنّه ذكّرهم ابتداء بخلق السماوات والأرض، وعجّب من حالهم في تسويتهم ما لم يخلق السماوات ولا الأرض بالله تعالى في الإلهيّة. ثم ذكّرهم بخلقهم الأول، وعجّب من حالهم كيف جمعوا بين الاعتراف بأنّ الله هو خالقهم الخلق الأول فكيف يمترون في الخلق الثاني.
وأتي بضمير ( هو ) في قوله ) هو الذي خلقكم ( ليحصل تعريف المسند والمسند إليه معاً، فتفيد الجملة القصر في ركني الإسناد وفي متعلّقها، أي هو خالقكم لا غيره، من طين لا من غيره، وهو الذي قضى أجلاً وعنده أجل مسمّى فينسحب حكم القصر على المعطوف على المقصور. والحال الذي اقتضى القصر هو حال إنكارهم البعث لأنّهم لمّا أنكروه وهو الخلق الثاني نزّلوا منزلة من أنكر الخلق الأول إذ لا فرق بين الخلقين بل الإعادة في متعارف الصانعين أيسرُ كما قال تعالى :( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ( ( الروم : ٢٧ ) وقال ) أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خَلق جديد ( ( ق : ١٥ ). والقصر أفاد نفي جميع هذه التكوينات عن غير الله من أصنامهم، فهو كقوله :( الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء ( ( الروم : ٤٠ ).
والخطاب في قوله ) خلقكم ( موجّه إلى الذين كفروا، ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب لقصد التوبيخ.


الصفحة التالية
Icon