" صفحة رقم ١٣١ "
قول المشركين ) ما يهلكنا إلاّ الدهر ( ( الجاثية : ٢٤ ).
وقد خولفت كثرة الاستعمال في تقديم الخبر الظرف على كلّ مبتدأ نكرة موصوفة، نحو قوله تعالى :( ولي نعجة واحدة ( ( ص : ٢٣ )، حتّى قال صاحب ( الكشاف ) : إنّه الكلام السائر، فلم يقدّم الظرف في هذه الآية لإظهار الاهتمام بالمسند إليه حيث خولف الاستعمال الغالب من تأخيره فصار بهذا التقديم تنكيره مفيداً لمعنى التعظيم، أي وأجل عظيم مسمّى عنده.
ومعنى :( مسمّى ( معيّن، لأنّ أصل السمة العلامة التي يتعيّن بها المعلّم. والتعيين هنا تعيين الحدّ والوقت.
والعندية في قوله :( عنده ( عندية العلم، أي معلوم له دون غيره. فالمراد بقوله :( وأجل مسمّى ( أجل بعث الناس إلى الحشر، فإنّ إعادة النّكرة بعد نكرة يفيد أنّ الثانيّة غير الأولى، فصار : المعنى ثم قضى لكم أجلين : أجلاً تعرفون مدّته بموت صاحبه، وأجلاً معيّن المدّة في علم الله.
فالمراد بالأجل الأول عمر كلّ إنسان، فإنّه يعلمه الناس عند موت صاحبه، فيقولون : عاش كذا وكذا سنة، وهو وإن كان علمه لا يتحقّق إلاّ عند انتهائه فما هو إلاّ علم حاصل لكثير من النّاس بالمقايسة. والأجل المعلوم وإن كان قد انتهى فإنّه في الأصل أجل ممتدّ.
والمراد بالأجل الثاني ما بين موت كلّ أحد وبين يوم البعث الذي يبعث فيه جميع الناس، فإنَّه لا يعلمه في الدنيا أحد ولا يعلمونه يوم القيامة، قال تعالى :( ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم ( ( يونس : ٤٥ )، وقال :( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ( ( الروم : ٥٥ ).
وقوله :( ثم أنتم تمترون ( عطفت على جملة :( هو الذي خلقكم من طين (، فحرف ) ثم ( للتراخي الرتبي كغالب وقوعها في عطف الجمل لانتقال من خبر إلى أعجب منه، كما تقدّم في قوله تعالى :( ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ( ( الأنعام : ١ )، أي فالتعجيب حقيق ممّن يمترون في أمر البعث مع علمهم بالخلق الأول وبالموت. والمخاطب بقوله :( أنتم تمترُون ( هم المشركون. وجيء بالمسند إليه ضميراً بارزاً للتوبيخ.