" صفحة رقم ١٣٣ "
في ) الحمد لله ( ( الأنعام : ١ ) من معنى الإنفراد بالإلهية، كما يقول من يذكر جواداً ثم يقول : هو حاتم في العرب، وهذا لقصد التنصيص على أنّه لا يشاركه أحد في صفاته في الكائنات كلّها.
وقوله :( يعلم سرّكم وجهركم ( جملة مقرّرة لمعنى جملة ) وهو الله ( ولذلك فصلت، لأنّها تتنزّل منا منزلة التوكي لأنّ انفراده بالإلاهيّة في السماوات وفي الأرض ممّا يقتضي علمه بأحوال بعض الموجودات الأرضية.
ولا يجوز تعليق ) في السماوات وفي الأرض ( بالفعل في قوله :( يعلم سرّكم ( لأنّ سرّ النّاس وجهرهم وكسبهم حاصل في الأرض خاصّة دون السماوات، فمن قدّر ذلك فقد أخطأ خطأ خفيّاً.
وذكر السرّ لأنّ علم السرّ دليل عموم العلم، وذكر الجهر لاستيعاب نوعي الأقوال. والمراد ب ) تكسبون ( جميع الاعتقادات والأعمال من خير وشر فهو تعريض بالوعد والوعيد.
والخطاب لجميع السامعين ؛ فدخل فيه الكافِرون، وهم المقصود الأول من هذا الخطاب، لأنّه تعليم وإيقاظ بالنسبة إليهم وتذكير بالنسبة إلى المؤمنين.
٤ ) ) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ ءَايَةٍ مِّنْ ءَايَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ).
هذا انتقال إلى كفران المشركين في تكذيبهم رسالة محمد ( ﷺ ) بعد أن أقيمت عليهم الحجّة ببطلان كفرهم في أمر الشرك بالله في الإلاهيّة، وقد عطف لأنّ الأمرين من أحوال كفرهم ولأنّ الذي حملهم على تكذيب الرسول ( ﷺ ) هو دعوته إياهم إلى التوحيد، فمن أجله نشأ النزاع بينهم وبينه فكذبوه وسألوه الآيات على صدقه.
وضمائر جمع الغائبين مراد منها المشركون الذين هم بعض من شملته ضمائر الخطاب في الآية التي قبلها، ففي العدول عن الخطاب إلى الغيبة بالنسبة إليهم إلتفات أوجبه تشهيرهم بهذا الحال الذميم، تنصيصاً على ذلك، وإعراضاً عن خطابهم،