" صفحة رقم ١٣٨ "
ثم يطلق على التثبيت والتقوية والاستقلال بالأمر. ويقال : هو مكين بمعنى مُمَكّن، فعيل بمعنى مفعول. قال تعالى :( إنّك اليوم لدينا مكين أمين ( فهو كناية أيضاً بمرتبة ثانية، أو هو مجاز مرسل مرتّب على المعنى الكنائي. والتمكين في الأرض تقوية التصرّف في منافع الأرض والاستظهار بأساباب الدنيا، بأن يكون في منعة من العدوّ وفي سعة في الرزق وفي حسن حال، قال تعالى :( إمّا مكنّا له في الأرضأ، وقال : الذين إن مكنّاهم في الأرض أقاموا الصلاة ( الآية. فمعنى مكَّنه : جعله متمكّناً ومعنى مكّن له : جعله متمكّناً لأجله، أي رعيا له، مثل حمده وحمد له، فلم تزده اللام ومجروورها إلاّ إشارة إلى أنّ الفاعل فعل ذلك رغبة في نفع المفعول، ولكن الاستعمال أزال الفرق بينهما وصيّر مكّنه ومكّن له بمعنى واحد، فكانت اللام زائدة كما قال أبو علي الفارسي. ودليل ذلك قوله تعالى : هنا ) مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم ( فإنّ المراد بالفعلين هنا شيء واحد لتعيّن أن يكون معنى الفعلين مستوياً، ليظهر وجه فوت القرون الماضية في التمكين على تمكين المخاطبين، إذ التفاوت لا يظهر إلاّ في شيء واحد، ولأنّ كون القرون الماضية أقوى تمكّنا من المخاطبين كان يقتضي أن يكون الفعل المقترن بلام الأجل في جانبهم لا في جانب المخاطبين، وقد عكس هنا. وبهذا البيان نجمع بين قول الراغب باستواء فعل مكّنه ومكّن له، وقول الزمخشري بأن : مكّن له بمعنى جعل له مكاناً، ومكّنه بمعنى أثبته. وكلام الراغب أمكن عربية. وقد أهملت التنبيه على هذين الرأيين كتب اللغة. واستعمال التمكين في معنى التثبيت والتقوية كناية أو مجاز مرسل لأنّه يستلزم التقوية. وقد شاع هذا الاستعمال حتى صار كالصريح أو كالحقيقة.
و ) ما ( موصولة معناها التمكين، فهي نائبة عن مصدر محذوف، أي تمكيناً لم نمكنّه لكم، فتنتصب ( ما ) على المفعولية المطلقة المبيّنة للنوع. والمقصود مكّناهم تمكيناً لم نمكَّنه لكم، أي هو أشدّ من تمكينكم في الأرض.
والخطاب في قوله :( لكم ( التفات موجّه إلى الذين كفروا لأنّهم الممكّنون في الأرض وقت نزول الآية، وليس للمسلمين يومئذٍ تمكين. والالتفات هنا عكس الالتفات في قوله تعالى :( حتى إذا كنتم في الفلك وجريْن بهم ). والمعنى أنّ الأمم الخالية من