" صفحة رقم ١٤٢ "
وقوله :( فَلَمسوه ( عطف على ) نزّلنا ). واللمس وضع اليد على الشيء لمعرفة وجوده، أو لمعرفة وصف ظاهره من لين أو خشونة، ومن برودة أو حرارة، أو نحو ذلك. فقوله :( بأيديهم ( تأكيد لمعنى اللمس لرفع احتمال أن يكون مجازاً في التأمّل، كما في قوله تعالى :( وإنّا لمسنا السماء فوجدناها مُلئَت حرساً شديداً وشهباً (، وللإفصاح عن منتهى ما اعتيد من مكابرتهم ووقاحتهم في الإنكار والتكذيب، وللتمهيد لقوله :( لقال الذين كفروا إن هذا إلاّ سحر مبين ( لأنّ المظاهر السحرية تخيّلات لا تلمس.
وجاء قوله :( الذين كفروا ( دون أن يقول : لقالوا، كما قال :( فلمسوه ( إظهاراً في مقام الإضمار لقصد تسجيل أنّ دافعهم إلى هذا التعنّت هو الكفر، لأنّ الموصول يؤذن بالتعليل.
ومعنى :( إن هذا إلاّ سحر مبين ( أنّهم يغالطون أنفسهم ويغالطون قومهم لستر مكابرتهم ولدفع ما ظهر من الغلبة عليهم. وهذا شأن المغلوب المحجوج أن يتعلّق بالمعاذير الكاذبة.
والمبين : البيّن الواضح، مشتقّ من ( أبان ) مرادف ( بان ). وتقدّم معنى السحر عند قوله تعالى :( يعلّمون الناس السحر في سورة البقرة ( ).
٨، ٩ ) وَقَالُواْ لَوْلا
أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِىَ الاَْمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ).
عطف على قوله :( ولو نزّلنا عليك كتاباً (، لأنّ هذا خبر عن تورّكهم وعنادهم، وما قبله بيان لعدم جدوى محاولة ما يقلع عنادهم، فذلك فُرض بإنزال كتاب عليهم، من السماء فيه تصديق النبي ( ﷺ ) وهذا حكاية لاقتراح منهم آية يصدّقونه بها. وفي سيرة ابن إسحاق أنّ هذا القول واقع، وأنّ من جملة من قال هذا زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث بن كَلدة، وعبدة بن عبد يغوث ؛ وأبَي


الصفحة التالية
Icon