" صفحة رقم ١٤٤ "
ومعنى :( قُضي ( تُمّم، كما دلّ عليه قوله :( ثم لا ينظرون ( ؛ ذلك أنّه لا تنزل ملائكة غير الذين سخّرهم الله للأمور المعتادة مثللِ الحفظة، وملك الموت، والملك الذي يأتي بالوحي ؛ إلاّ ملائكة تنزل لتأييد الرسل بالنصر على من يكذّبهم، مثل الملائكة التي نزلت لنصر المؤمنين في بدر. ولا تنزل الملائكة بين القوم المغضوب عليهم إلاّ لإنزال العذاب بهم، كما نزلت الملائكة في قوم لوط. فمشركو مكة لمّا سألوا النبي أن يريهم ملكاً معه ظنّوا مقترحهم تعجيزاً، فأنبأهم الله تعالى بأنّهم اقترحوا أمراً لو أجيبوا إليه لكان سبباً في مناجزة هلاكهم الذي أمهلهم إليه فيه رحمة منه.
ولعلّ حكمة ذلك أنّ الله فطر الملائكة على الصلابة والغضب للحقّ بدون هوادة، وجعل الفطرة الملكية سريعة لتنفيذ الجزاء على وفق العمل، كما أشار إليه قوله تعالى :( ولا يشفعون إلاّ لمن ارتضى (، فلذلك حجزهم الله عن الاتّصال بغير العباد المكرّمين الذين شابهن نفوسهم الإنسانية النفوس الملكية، ولذلك حجبهم الله عن النزول إلى الأرض إلاّ في أحوال خاصّة، كما قال تعالى عنهم :( وما تتنزّل إلاّ بأمر ربّك (، وكما قال :( ما تنزّل الملائكة إلاّ بالحقّ ( فلو أنّ الله أرسل ملائكة في الوسط البشري لما أمهلوا أهل الضلال والفساد ولنا جزوهم جزاء العذاب، ألا ترى أنّ الملائكة الذين أرسلهم الله لقوم لوط لمّا لقوا لوطاً قالوا :( يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ). ولمّا جادلهم إبراهيم في قوم لوط بعد أن بشّروه واستأنس بهم ) قالوا يا إبراهيم أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّك ( وهو نزول الملائكة ؛ فليس للملائكة تصرف في غير ما وجهّوا إليه.
فمعنى الآية أنّ ما اقترحوه لو وقع لكان سيء المغبّة عليهم من حيث لا يشعرون. وليس المراد أنّ سبب عدم إنزال الملك رحمة بهم بل لأنّ الله ما كان ليظهر آياته عن اقتراح الضاليّن، إذ ليس الرسول ( ﷺ ) بصدد التصدّي لرام كلّ من عُرضت عليه الدعوة أن تظهر له آية حسب مقترحه فيصير الرسول ( ﷺ ) مضيّعاً مدّة الإرشاد وتلتفّ عليه الناس التفافهم على المشعوذين، وذلك ينافي حرمة


الصفحة التالية
Icon