" صفحة رقم ١٥٤ "
وجعل ) الذين خسروا أنفسهم ( خبرَ مبتدأ محذوف. والتقدير : أنتم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون. ونظم الكلام على هذا الوجه أدعى لإسماعهم، وبهذا التقدير يستغنى عن سؤال ( الكشاف ) عن صحّة ترتّب عدم الإيمان على خسران أنفسهم مع أنّ الأمر بالعكس.
وقيل :( الذين خسروا أنفسهم ( مبتدأ، وجملة :( فهم لا يؤمنون ( خبره، وقرن بالفاء لأنّ الموصول تضمّن معنى الشرط على نحو قوله تعالى :( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم ( ( النساء : ١٥ ). وأشرب الموصول معنى الشرط ليفيد شموله كلّ من اتّصف بمضمون الصلة، ويفيد تعليق حصول مضمون جملة الخبر المنزّل منزلة جواب الشرط على حصول مضمون الصلة المنزّلة منزلة جملة الشرط، فيفيد أنّ ذلك مستمرّ الارتباط والتعليل في جميع أزمنة المستقبل التي يتحقّق فيها معنى الصلة. فقد حصل في هذه الجملة من الخصوصيات البلاغية ما لا يوجد مثله في غير الكلام المعجز.
ومعنى :( خسروا أنفسهم ( أضاعوها كما يضيّع التاجر رأس ماله، فالخسران مستعار لإضاعة ما شأنه أن يكون سبب نفع. فمعنى ) خسروا أنفسهم ( عدموا فائدة الانتفاع بما ينتفع به الناس من أنفسهم وهو العقل والتفكير، فإنّه حركة النفس في المعقولات لمعرفة حقائق الأمور. وذلك أنّهم لمّا أعرضوا عن التدبّر في صدق الرسول عليه الصلاة والسلام فقد أضاعوا عن أنفسهم أنفع سبب للفوز في العاجل والآجل، فكان ذلك سبب أن لا يؤمنوا بالله والرسول واليوم الآخر. فعدم الإيمان مسبّب عن حرمانهم الانتفاع بأفضل نافع. ويتسبّب عن عدم الإيمان خسران آخر، وهو خسران الفوز في الدنيا بالسلامة من العذاب، وفي الآخرة بالنجاة من النار، وذلك يقال له خسران ولا يقال له خسران الأنفس. وقد أشار إلى الخسرانين قوله تعالى :( أولئك الذين خسروا أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون لا جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون ( ( هود : ٢١، ٢٢ ).
) ) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ).
جملة معطوفة على ) لله ( من قوله :( قل لله ( ( الأنعام : ١٢ ) الذي هو في تقدير الجملة، أي ما في السماوات والأرض لله، وله ما سكن.


الصفحة التالية
Icon