" صفحة رقم ١٦٢ "
والمقصود من هذا الكلام إثبات مقابل قوله :( إنّي أخاف إن عصيت ربّي عذاب يوم عظيم ( كأنّه قال : أرجو إن أطعته أن يرحمني ربّي، لأنّ من صرف عنه العذاب ثبتت له الرحمة. فجاء في إفادة هذا المعنى بطريقة المذهب الكلامي. وهو ذكر الدليل ليعلم المدلول. وهذا ضرب من الكناية وأسلوب بديع بحيث يدخل المحكوم له في الحكم بعنوان كونه فرداً من أفراد العموم الذين ثبت لهم الحكم.
ولذلك عقّبه بقوله :( وذلك الفوز المبين ). والإشارة موجّهة إلى الصرف المأخوذ من قوله :( من يصرف عنه ( أو إلى المذكور. وإنّما كان الصرف عن العذاب فوزاً لأنّه إذا صرف عن العذاب في ذلك اليوم فقد دخل في النعيم في ذلك اليوم. قال تعالى :( فمن زحزح عن النار وأدخل الجنّة فقد فاز ( ( آل عمران : ١٨٥ ). و ) المبين ( اسم فاعل من أبان بمعنى بان.
) ) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدُيرٌ ).
عطف على الجمل المفتتحة بفعل ) قل ( ( الأنعام : ١٥ ) فالخطاب للنبيء ( ﷺ )
وهذا مؤذن بأنّ المشركين خوّفوا النبي ( ﷺ ) أو عرّضوا له بعزمهم على إصابته بشرّ وأذى فخاطبه الله بما يثبّت نفسه وما يؤيس أعداءه من أن يستزلّوه. وهذا كما حكي عن إبراهيم عليه السلام ) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم بالله ما لم ينزّل به عليكم سلطاناً ( ( الأنعام : ٨١ )، ومن وراء ذلك إثبات أنّ المتصرّف المطلق في أحوال الموجودات هو الله تعالى بعد أن أثبت بالجمل السابقة أنّه محدث الموجودات كلّها في السماء والأرض، فجُعل ذلك في أسلوب تثبيت للرسول ( ﷺ ) على عدم الخشية من بأس المشركين وتهديدهم ووعيدهم، ووعدُه بحصول الخير له من أثر رضى ربّه وحدَه عنه، وتحدّي المشركين بأنّهم لا يستطيعون إضراره ولا يجلبون نفعه. ويحصل منه ردّ على المشركين الذين كانوا إذا ذُكّروا بأنّ الله خالق السماوات والأرض ومن فيهن أقرّوا بذلك، ويزعمون أنّ آلهتهم تشفع عند الله وأنّها تجلب الخير وتدفع


الصفحة التالية
Icon