" صفحة رقم ١٦٧ "
والشهادة تقدّم بيانها عند قوله تعالى :( شهادة بينكم في سورة المائدة ( ١٠٦ ).
ولمّا كانت شهادة الله على صدق الرسول غير معلومة للمخاطبين المكذّبين بأنّه رسول الله، صارت شهادة الله عليهم في معنى القسم على نحو قوله تعالى : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنّه لمن الكاذبين ( ( النور : ٨ ) أي أن تُشهد الله على كذب الزوج، أي أن تحلف على ذلك بسم الله، فإنّ لفظ ( أشهد الله ) من صيغ القسم إلاّ أنّه إن لم يكن معه معنى الإشهاد يكون مجازاً مرسلاً، وإن كان معه معنى الإشهاد كما هنا فهو كناية عن القسم مراد منه معنى إشهاد الله عليهم، وبذلك يظهر موقع قوله :( الله شهيد بيني وبينكم (، أي أشهده عليكم. وقريب منه ما حكاه الله عن هود ) قال إنّي أشهد الله ( ( هود : ٥٤ ).
وقوله :( قل الله شهيد بيني وبينكم ( جواب للسؤال، ولذلك فصلت جملته المصدّرة ب ) قل ). وهذا جواب أمر به المأمور بالسؤال على معنى أن يسأل ثم يبادر هو بالجواب لكون المراد بالسؤال التقرير وكون الجواب ممّا لا يسع المقرّر إنكاره، على نحو ما بيّنّاه في قوله :( قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ( ( الأنعام : ١٢ ).
ووقع قوله :( الله شهيد بيني وبينكم ( جواباً على لسانهم لأنّه مرتّب على السؤال وهو المقصود منه فالتقدير : قل شهادة الله أكبر شهادة، فالله شهيد بيني وبينكم، فحذف المرتّب عليه لدلالة المرتّب إيجازاً كما هو مقتضى جزالة أسلوب الإلجاء والجدل. والمعنى : أنّي أشهد الله الذي شهادته أعظم شهادة أنّني أبلغتكم أنّه لا يرضى بأن تشركوا به وأنذرتكم.
وفي هذه الآية ما يقتضي صحة إطلاق اسم ( شيء ) على الله تعالى لأنّ قوله :( الله شهيد ( وقع جواباً عن قوله :( أي شيء ( فاقتضى إطلاق اسم ( شيء ) خبراً عن الله تعالى وإن لم يدلّ صريحاً. وعليه فلو أطلقه المؤمن على الله تعالى لما كان في إطلاقه تجاوز للأدب ولا إثم. وهذا قول الأشعرية خلافاً لجهم بن صفوان وأصحابه.
ومعنى :( شهيد بيني وبينكم ( أنّه لمّا لم تنفعهم الآيات والنذر فيرجعوا عن التكذيب والمكابرة لم يبق إلاّ أن يكلهم إلى حساب الله تعالى. والمقصود : إنذارهم بعذاب الله في