" صفحة رقم ١٧٨ "
قلبياً فإنّه يجيء كما يجيء فعل الرؤية فيكون معلّقاً عن العمل بالاستفهام، أي تأمّل جواب قول القائل : كيف يفترون على الله الكذب تجده جواباً واضحاً بيّناً.
ولأجل هذا التحقّق من خبر حشرهم عبّر عن كذبهم الذي يحصل يوم الحشر بصيغة الماضي في قوله : كذبوا على أنفسهم ). وكذلك قوله ) وضلّ عنهم ما كانوا يفترون ).
وفعل ( كذب ) يعدّى بحرف ( على ) إلى من يخبّر عنه الكاذب كذباً مثل تعديته في هذه الآية، وقول النبي ( ﷺ ) ) من كذب عليّ معتمداً فليتبوّأ مقعده من النار (، وأمّا تعديته إلى من يخبره الكاذب خبراً كذباً فبنفسه، يقال : كذبك، إذا أخبرك بكذب.
وضلّ بمعنى غاب كقوله تعالى :( ضلَلْنا في الأرض ( ( السجدة : ١٠ )، أي غيّبنا فيها بالدفن. و ) ما ( موصولة و ) يفترون ( صلتها، والعائد محذوف، أي يختلقونه وماصْدق ذلك هو شركاؤهم. والمراد : غيبة شفاعتهم ونصرهم لأنّ ذلك هو المأمول منهم فلمّا لم يظهر شيء من ذلك نُزّل حضورهم منزلة الغيبة، كما يقال : أُخِذتَ وغاب نصيرك، وهو حاضر.
) ) وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِى
ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُو
اْ إِنْ هَاذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الاَْوَّلِينَ ).
عطف جملة ابتدائية على الجمل الابتدائية التي قبلها من قوله :( الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ( ( الأنعام : ٢٠ ).
والضمير المجرور ب ) من ( التبعيضية عائد إلى المشركين الذين الحديث معهم وعنهم ابتداء من قوله :( ثم الذين كفروا بربِّهم يعدلون ( ( الأنعام : ١ )، أي ومن المشركين من يستمع إليك. وقد انتقل الكلام إلى أحواللِ خاصّة عقلائهم الذين يربأون بأنفسهم عن أن يقابلوا دعوة