" صفحة رقم ١٨٥ "
من جملة ما تمنّوه، ولذلك لم ينصب في جواب التمنِّي إذ ليس المقصود الجزاء، ولأنّ اعتبار الجزاء مع الواو غير مشهور، بخلافه مع الفاء لأنّ الفاء متأصّلة في السببية. والردّ غير مقصود لذاته وإنّما تمنّوه لما يقع معه من الإيمان وترك التكذيب. وإنّما قدّم في الذكر ترك التكذيب على الإيمان لأنّه الأصل في تحصيل المتمنّى على اعتبار الواو للمعية واقعة موقع فاء السببية في جواب التمنّي.
وقرأه حمزة والكسائي ) ولا نكذّب ونكونَ ( بنصب الفعلين، على أنّهما منصوبان في جواب التمنِّي. وقرأ ابن عامر ) ولا نكذّب ( بالرفع كالجمهور، على معنى أنّ انتفاء التكذيب حاصل في حين كلامهم، فليس بمستقبل حتى يكون بتقدير ( أن ) المفيدة للاستقبال. وقرأ ) ونكون ( بالنصب على جواب التمنِّي، أي نكون من القوم الذين يعرفون بالمؤمنين. والمعنى لا يختلف.
وقوله :( بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ( إضراب عن قولهم ) ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين ). والمعنى بل لأنّهم لم يبق لهم مطمع في الخلاص.
وبدا الشيء ظهر. ويقال : بدا له الشيء إذا ظهر له عياناً. وهو هنا مجاز في زوال الشكّ في الشيء، كقول زهير :
بدا ليَ أنّي لستُ مدرك ما مضى
ولا سابققٍ شيئاً إذا كان جائياً
ولمّا قوبل ) بدا لهم ( في هذه الآية بقوله :( ما كانوا يخفون ( علمنا أنّ البَداء هو ظهور أمر في أنفسهم كانوا يخفونه في الدنيا، أي خطر لهم حينئذٍ ذلك الخاطر الذي كانوا يخفونه، أي الذي كان يبدو لهم، أي يخطر ببالهم وقوعه فلا يُعلنون به فبدا لهم الآن فأعلنوا به وصرّحوا مُعترفين به. ففي الكلام احتباك، وتقديره : بل بدا لهم ما كان يبدو لهم في الدنيا فأظهروه الآن وكانوا يخفونه. وذلك أنّهم كانوا يخطر لهم الإيمان لما يرون من دلائله أو من نصر المؤمنين فيصدّهم عنه العناد والحرص على استبقاء السيادة والأنفة من الاعتراف بفضل الرسول وبسبق المؤمنين إلى الخيرات قبلهم، وفيهم ضعفاء القوم وعبيدهم، كما ذكرناه عند قوله تعالى :( ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي في هذه السورة ( ٥٢ )، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى : ربما