" صفحة رقم ١٩٢ "
بحال من يحمل حملاً ثقيلاً. وذكْر ) على ظهورهم ( هنا مبالغة في تمثيل الحالة، كقوله تعالى :( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ( ( الشورى : ٣٠ ). فذكر الأيدي لأنّ الكسب يكون باليد، فهو يشبه تخييل الاستعارة ولكنّه لا يتأتّى التخييل في التمثيلية لأنّ ما يذكر فيها صالح لاعتباره من جملة الهيئة، فإنّ الحمل على الظهر مؤذن بنهاية ثقل المحمول على الحامل.
ومن لطائف التوجيه وضع لفظ الأوزار في هذا التمثيل ؛ فإنّه مشترك بين الأحمال الثقيلة وبين الذنوب، وهم إنَّما وقعوا في هذه الشدّة من جرّاء ذنوبهم فكأنّهم يحملونها لأنّهم يعانون شدّة آلامها.
وجملة :( ألا ساء ما يزرون ( تذييل. و ( ألا ) حرف استفتاح يفيد التنبيه للعناية بالخبر. و ) ساء ما يزرون ( إنشاء ذمّ. و ) يزرون ( بمعنى ) يحملون (، أي ساء ما يمثّل من حالهم بالحمْل. و ) ما يزرون ( فاعل ) ساء ). والمخصوص بالذمّ محذوف، تقديره : حَمْلُهم.
٣٢ ) ) وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الاَْخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ).
لمّا جرى ذكر الساعة وما يلحق المشركين فيها من الحسرة على ما فرّطوا ناسب أن يذكّر الناس بأنّ الحياة الدنيا زائلة وأنّ عليهم أن يستعدّوا للحياة الآخرة. فيحتمل أن يكون جواباً لقول المشركين :( إن هي إلاّ حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ( ( الأنعام : ٢٩ ). فتكون الواو للحال، أي تقولون إن هي إلاّ حياتنا الدنيا ولو نظرتم حقّ النظر لوجدتم الحياة الدنيا لعباً ولهواً وليس فيها شيء باق، فلعلمتم أنّ وراءها حياة أخرى فيها من الخيرات ما هو أعظم ممّا في الدنيا وإنّما يناله المتّقون، أي المؤمنون، فتكون الآية إعادة لدعوتهم إلى الإيمان والتقوى، ويكون الخطاب في قوله :( أفلا تعقلون ( التفاتاً من الحديث عنهم بالغيبة إلى خطابهم بالدعوة.


الصفحة التالية
Icon