" صفحة رقم ١٩٦ "
وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص، وأبو جعفر، ويعقوب، ) أفلا تعقلون ( بتاء الخطاب على طريقة الإلتفات. وقرأه الباقون بياء تحتية، فهو على هذه القراءة عائد لما عاد إليه ضمائر الغيبة قبله، والاستفهام حينئذٍ للتعجيب من حالهم.
وفي قوله :( للذين يتّقون ( تأييس للمشركين.
٣٣ ) ) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِئَايَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ).
استئناف ابتدائي قصدت به تسلية الرسول ( ﷺ ) وأمره بالصبر، ووعده بالنصر، وتأييسه من إيمان المتغالين في الكفر، ووعده بإيمان فرق منهم بقوله :( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى إلى قوله يسمعون ). وقد تهيّأ المقام لهذا الغرض بعد الفراغ من محاجّة المشركين في إبطال شركهم وإبطال إنكارهم رسالة محمد ( ﷺ ) والفراغ من وعيدهم وفضيحة مكابرتهم ابتداء من قوله :( وما تأتيهم من آية من آيات ربّهم ( ( الأنعام : ٤ ) إلى هنا.
و ) قد ( تحقيق للخبر الفعلي، فهو في تحقيق الجملة الفعلية بمنزلة ( إنّ ) في تحقيق الجملة الاسمية. فحرف ) قد ( مختصّ بالدخول على الأفعال المتصرّفة الخبرية المثبتة المجرّدة من ناصب وجازم وحرف تنفيس، ومعنى التحقيق ملازم له. والأصحّ أنّه كذلك سواء كان مدخولها ماضياً أو مضارعاً، ولا يختلف معنى ) قد ( بالنسبة للفعلين. وقد شاع عند كثير من النحويّين أنّ ) قد ( إذا دخل على المضارع أفاد تقليل حصول الفعل. وقال بعضهم : إنّه مأخوذ من كلام سيبويه، ومن ظاهر كلام ( الكشاف ) في هذه الآية. والتحقيق أنّ كلام سيبويه لا يدلّ إلاّ على أنّ ) قد ( يستعمل في الدلالة على التقليل لكن بالقرينة وليست بدلالة أصلية. وهذا هو الذي استخلصتُه من كلامهم وهو المعوّل عليه عندي. ولذلك فلا فرق بين دخول ) قد ( على فعل المضي ودخوله على الفعل المضارع في إفادة تحقيق الحصول، كما صرّح به الزمخشري في تفسير قوله تعالى :( قد يعلم ما أنتم عليه في سورة النور ( ٦٤ ). فالتحقيق يعتبر في الزمن الماضي إن