" صفحة رقم ٢٠٧ "
ولا تضق به صدراً، وأيضاً فكن عالماً بأنّ الله لو شاء لجمعهم على الهدى. وهذا إنباء من الله تعالى لرسوله ( ﷺ ) بأمر من علم الحقيقة يختصّ بحالة خاصّة فلا يطّرد في غير ذلك من مواقف التشريع.
وإنّما عدل على الأمر بالعلم لأنّ النّهي عن الجهل يتضمّنه فيتقرّر في الذهن مرتين، ولأنّ في النهي عن الجهل بذلك تحريضاً على استحضار العلم به، كما يقال للمتعلّم : لا تنسى هذه المسألة. وليس في الكلام نهي عن شيء تلبّس به الرسول ( ﷺ ) كما توهّمه جمع من المفسّرين، وذهبوا فيه مذاهب لا تستبين.
٣٦ ) ) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ).
تعليل لما أفاده قوله :( وإنْ كان كَبُر عليك إعراضهم إلى قوله فلا تكوننّ من الجاهلين ( ( الأنعام : ٣٥ ) من تأييس من ولوج الدعوة إلى أنفسهم، أي لا يستجيب الذين يسمعون دون هؤلاء الذين حرمهم فائدة السمع وفهم المسموع.
ومفهوم الحصر مؤذن بإعمال منطوقه الذي يؤمىء إلى إرجاء بعد تأييس بأنّ الله جعل لقوم آخرين قلوباً يفقهون بها وآذاناً يسمعون بها فأولئك يستجيبون.
وقوله :( يستجيب ( بمعنى يجيب، فالسين والتاء زائدان للتأكيد ؛ وقد تقدّم الكلام على هذا الفعل عند قوله تعالى :( فاستجاب لهم ربّهم في سورة آل عمران ( ١٩٥ ). وحذف متعلّق يستجيب ( لظهوره من المقام لأنّ المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وتصديق الرسول.
ومعنى ) يسمعون (، أنّهم يفقهون ما يلقى إليهم من الإرشاد لأنّ الضالّين كمن لا يسمع. فالمقصود سمع خاصّ وهو سمع الاعتبار.
أمّا قوله :( والموتى يبعثهم الله ( فالوجه أنّه مقابل لِ ) الذين يسمعون ). ولذلك حسن عطف هذه الجملة على جملة :( إنما يستجيب الذين يسمعون ). فمعنى الكلام : وأمّا المعرضون


الصفحة التالية
Icon