" صفحة رقم ٢١٥ "
الفخر نقلاً عن عبد الجبّار بأنّه لمّا قدّم الله أنّ الكفّار يُرجعون إليه ويحشرون بيّن بعده أنّ الدوابّ والطير أمم أمثالهم في أنّهم يحشرون. والمقصود بيان أنّ الحشر والبعث كما هو حاصل في الناس حاصل في البهائم. وهذا ظاهر قوله :( يحشرون ( لأنّ غالب إطلاق الحشر في القرآن على الحشر للحساب، فيناسب أن تكون جملة :( وما من دابّة في الأرض ( الآية عطفاً على جملة :( والموتى يبعثهم الله (، فإنّ المشركين ينكرون البعث ويجعلون إخبار الرسول عليه الصلاة والسلام به من أسباب تهمته فيما جاء به، فلمّا توعّدهم الله بالآية السابقة بأنّهم إليه يرجعون زاد أن سجّل عليهم جهلهم فأخبرهم بما هو أعجب ممّا أنكروه، وهو إعلامهم بأنّ الحشر ليس يختصّ بالبشر بل يعمّ كلّ ما فيه حياة من الدّوابّ والطير. فالمقصود من هذا الخبر هو قوله :( ثم إلى ربّهم يحشرون ). وأمّا ما قبله فهو بمنزلة المقدمة له والاستدلال عليه، أي فالدّوابّ والطير تبعث مثل البشر وتحضر أفرادها كلّها يوم الحشر، وذلك يقتضي لا محالة أن يقتصّ لها، فقد تكون حكمة حشرها تابعة لإلقاء الأرض وما فيها وإعادة أجزاء الحيوان.
وإذا كان المراد من هذين الحديثين ظاهرهما فإنّ هذا مظهر من مظاهر الحق يوم القيامة لإصلاح ما فرط في عالم الفناء من رواج الباطل وحكم القوة على العدالة، ويكون القصاص بتمكين المظلوم من الدوابّ من ردّ فعل ظالمه كيلا يستقرّ بالباطل. فهو من قبيل ترتّب المسبّبات على أسبابها شبيه بخطاب الوضع، وليس في ذلك ثواب ولا عقاب لانتفاء التكليف ثم تصير الدواب يومئذٍ تراباً، كما ورد في رواية عن أبي هريرة في قوله تعالى :( ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ( ( النبأ : ٤٠ ). قال المازري في المُعَلِم : واضطرب العلماء في بعث البهائم. وأقوى ما تعلّق به من يقول ببعثها قوله تعالى :( وإذا الوحوش حشرت ). وقد قيل : إنّ هذا كلّه تمثيل للعدل. ونسبه المازري إلى بعض شيوخه قال : هو ضرب مَثل إعلاماً للخلق بأن لا يبقى حقّ عند أحد.
والدابّة مشتقّة من دبّ إذا مشى على الأرض، وهي اسم لكلّ ما يدبّ على الأرض. وقوله :( في الأرض ( صفة قصد منها إفادة التعميم والشمول بذكر اسم المكان الذي يحوي جميع الدوابّ وهو الأرض، وكذلك وصف ) طائر ( بقوله ) يطير بجناحيه (