" صفحة رقم ٢١٨ "
وقوله ) ثم إلى ربِّهم يحشرون ( تقدّم تفسيره آنفاً في أوّل تفسير هذه الآية. وفي الآية تنبيه للمسلمين على الرفق بالحيوان فإنّ الإخبار بأنّها أمم أمثالنا تنبيه على المشاركة في المخلوقية وصفات الحيوانية كلّها. وفي قوله :( ثم إلى ربِّهم يحشرون ( إلقاء للحذر من الاعتداء عليها بما نهى الشرع عنه من تعذيبها وإذا كان يقتصّ لبعضها من بعض وهي غير مكلّفة، فالاقتصاص من الإنسان لها أولى بالعدل. وقد ثبت في الحديث الصحيح : أنّ الله شكر للذي سقى الكلب العطشان، وأنّ الله أدخل امرأة النار في هرّة حبستها فماتت جوعاً.
٣٩ ) ) وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِئْايَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِى الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ).
يجوز أن تكون الواو للعطف، والمعطوف عليه جملة :( إنّما يستجيب الذين يسمعون ). والمعنى : والذين كذّبوا بآياتنا ولم يستمعوا لها، أي لا يستجيبون بمنزلة صمّ وبكم في ظلمات لا يهتدون.
ويجوز أن تكون الجملة مستأنفة والواو استئنافية، أي عاطفة كلاماً مبتدأ ليس مرتبطاً بجملة معيّنة من الكلام السابق ولكنّه ناشيء عن جميع الكلام المتقدّم. فإنّ الله لمّا ذكر من مخلوقاته وآثار قدرته ما شأنه أن يعرّف الناس بوحدانيته ويدلّهم على آياته وصدق رسوله أعقبه ببيان أنّ المكذّبين في ضلال مبين عن الاهتداء لذلك، وعن التأمّل والتفكير فيه، وعلى الوجهين فمناسبة وقوع هذه الجملة عقب جملة :( وما من دابة في الأرض ( ( الأنعام : ٣٨ ) الآية قد تعرّضنا إليها آنفاً.
والمراد بالذين كذّبوا المشركون الذين مضى الكلام على أحوالهم عموماً وخصوصاً.
وقوله :( صمّ وبكم في الظلمات ( تمثيل لحالهم في ضلال عقائدهم والابتعاد عن الاهتداء بحال قوم صمّ وبُكم في ظلام. فالصّمم يمنعهم من تلقِّي هدى من يهديهم،


الصفحة التالية
Icon