" صفحة رقم ٢٣١ "
نفوسهم، فابتلاهم الله بالضرّ والخير ليستقصي لهم سببي التذكّر والخوف، لأنّ من النفوس نفوساً تقودها الشدّة ونفوساً يقودها اللين.
ومعنى الأخذ هنا الإهلاك. ولذلك لم يذكر له متعلِّق كما ذكر في قوله آنفاً ) فأخذناهم بالبأساء والضرّاء ( للدلالة على أنَّه أخذ لا هوادة فيه.
والبغتة فعلة من البغْت وهو الفُجأة، أي حصول الشيء على غير ترقّب عند من حصل له وهي تستلزم الخفاء. فلذلك قوبلت بالجهرة في الآية الآتية. وهنا يصحّ أن يكون مؤوّلاً باسم الفاعل منصوباً على الحال من الضمير المرفوع، أي مباغتين لهم، أو مؤوّلاً باسم المفعول على أنَّه حال من الضمير المنصوب، أي مبغوتين، ) وكذلك أخذ ربّك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ( ( هود : ١٠٢ ).
وقوله :( فإذا هم مبلسون ( ( إذا ) فجائية. وهي ظرف مكان عند سيبويه، وحرف عند نحاة الكوفة.
والمبلسون اليائسون من الخير المتحيّرون، وهو من الإبلاس، وهو الوجوم والسكوت عند طلب العفو يأساً من الاستجابة.
وجملة ) فقطع دابر القوم ( معطوفة على جملة ) أخذناهم (، أي فأخذناهم أخذ الاستئصال. فلم يُبق فيهم أحداً.
والدابر اسم فاعل من دَبَره من باب كَتَب، إذا مشى من ورائه. والمصدر الدبور بضم الدال، ودابر الناس آخرهم، وذلك مشتقّ من الدُبُر، وهو الوراء، قال تعالى :( واتَّبِع أدبارهم ( ( الحجر : ٦٥ ). وقطع الدابر كناية عن ذهاب الجميع لأنّ المستأصل يبدأ بما يليه ويذهب يستأصل إلى أن يبلغ آخره وهو دَابره، وهذا ممّا جرى مجرى المثل، وقد تكرّر في القرآن، كقوله :( أنّ دابر هؤلاء مَقطوع مصبحين ( ( الحجر : ٦٦ ).
والمراد بالذين ظلموا المشركون، فإنّ الشرك أعظم الظلم، لأنَّه اعتداء على حقّ الله تعالى على عباده في أن يعترفوا له بالربوبية وحده، وأنّ الشرك يستتبع مظالم عدّة لأنّ أصحاب الشرك لا يؤمنون بشرع يزع الناس عن الظلم.