" صفحة رقم ١٠٣ "
سهل : لأنّ المفعول ليس أجنبياً عن المضاف والمضاف إليه، وجاء الزمخشري في ذلك بالتّهويل، والضّجيج والعويل، كيف يفصَل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول وزاد طنبور الإنكار نغمة. فقال : والذي حَمَله على ذلك أنّه رأى في بعض المصاحف :( شركائهم ( مكتوباً بالياء، وهذا جري على عادة الزمخشري في توهين القراءات المتواترة، إذا خالفت ما دُوّن عليه علم النّحو، لتوهّمه أنّ القراءات اختيارات وأقيسة من القُرّاء، وإنَّما هي روايات صحيحة متواترة وفي الإعراب دلالة على المقصود لا تناكد الفصاحة.
ومُدوّناتُ النّحو ما قصد بها إلاّ ضبط قواعد العربيّة الغالبة ليجري عليها النّاشئون في اللّغة العربيّة، وليست حاصرة لاستعمال فصحاء العرب، والقرّاءُ حجّة على النّحاة دون العكس، وقواعد النّحو لا تمنع إلاّ قياس المولَّدين على ما ورد نادراً في الكلام الفصيح، والنّدرة لا تنافي الفصاحة، وهل يظنّ بمثل ابن عامر أنّه يَقرأ القرآن متابعة لصورة حروف التهجّي في الكتابة. ومثل هذا لا يروج على المبتدئين في علم العربيّة، وهلاّ كان رسم المصحف على ذلك الشّكل هادياً للزمخشري أن يتفطّن إلى سبب ذلك الرسم. أمَّا ابن عطيّة فقال :( هي قراءة ضعيفة في استعمال العَرب ) يريد أنّ ذلك الفصل نادر، وهذا لا يُثبت ضعف القراءة لأنّ الندور لا ينَافي الفصاحة.
وبَعَّد ابنُ عطيّة هذه القراءة بعدم مناسبتها للتّعليل بقوله :( ليردوهم ( وتبعيد ابن عطيّة لها تَوَهُّمٌ : إذ لا منافاة بين أن يُزيّنوا لهم قتلَ أولادهم وبين التّعليل فإنّ التّعليل يستعمل في العاقبة مجازاً مثل قوله تعالى :( فالتقطه آلُ فرعون ليكونَ لهم عدوّاً وحَزناً ( ( القصص : ٨ ). ومن العجيب قول الطّبري : والقراءَة الّتي لا أستجيز غيرها بفتح الزاي ونصب :( القتل ( وخفض :( أولادهم ( ورفع :( شركائهم ). وذلك على عادته في نصب نفسه حكماً في التّرجيح بين القراءات.
" صفحة رقم ١٠٣ "
والمعنى الثّاني : أن يكون المقصود بالخبر النبي ( ﷺ ) فيكون وعداً له بالنّصر على مكذّبيه، وإعلاماً له بأنّ سنّته سنّةُ غيره من الرّسل بطريقة جعل سنّة أمّته كسنّة غيرها من الأمم.
وذكْرُ عموم الأمم في هذا الوعيد، مع أنّ المقصود هم المشركون من العرب الذين لم يؤمنوا، إنّما هو مبالغة في الإنذار والوعيد بتقريب حصوله كما حصل لغيرهم من الأمم على طريقة الاستشهاد بشواهد التّاريخ في قياس الحاضر على الماضي فيكون الوعيد خبراً معضوداً بالدّليل والحجّة، كما قال تعالى في آيات كثيرة منها :( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( ( آل عمران : ١٣٧ ) أي : ما أنتم إلاّ أمة من الأمم المكذّبين ولكلّ أمّة أجل فأنتم لكم أجل سيحين حينه.
وذِكر الأجل هنا، دون أن يقول لكلّ أمّة عذاب أو استئصال، إيقاظاً لعقولهم من أن يغرّهم الإمهال فيحسبوا أنّ الله غيرُ مؤاخذهم على تكذيبهم، كما قالوا :( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( ( الأنفال : ٣٢ )، وطمأنةً للرسول عليه الصّلاة والسلام بأنّ تأخير العذاب عنهم إنّما هو جري على عادة الله تعالى في إمهال الظّالمين على حدّ قوله :( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذّبوا جاءهم نصرنا ( ( يوسف : ١١٠ ) وقوله ) لا يغرنَّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ( ( آل عمران : ١٩٦، ١٩٧ ).
ومعنى :( لكل أمة أجل ( لكلّ أمّة مكذّبة إمهال فحذف وصف أمّة أي : مكذّبة.
وجعل لذلك الزّمان نهاية وهي الوقت المضروب لانقضاء الإمهال، فالأجل يطلق على مدّة الإمهال، ويُطلق على الوقت المحدّد به انتهاء الإمهال، ولا شكّ أنّه وُضع لأحد الأمرين ثمّ استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدّة أو تأخير المنتهى وشاع الاستعمالان. فعلى الأوّل يقال قَضى الأجلَ أي المدّة كما قال تعالى :( أيَّما الأجلين قضيت ( ( القصص : ٢٨ ) وعلى الثّاني يقال :( دنا


الصفحة التالية
Icon