" صفحة رقم ١٠٥ "
) فعلوه ( يعود إلى المشركين، أي : لو شاء الله لعصمهم من تزيين شركائهم، أو يعود إلى الشّركاء، أي : لو شاء الله لصدّهم عن إغواء أتباعهم، وضمير النّصب يعود إلى القتل أو إلى التّزيين على التوزيع، على الوجهين في ضمير الرّفع.
والمراد : ب ) ما يَفترون ( ما يفترونه على الله بنسبة أنّه أمرهم بما اقترفوه، وكان افتراؤهم اتِّباعاً لافتراء شركائهم، فسمّاه افتراء لأنَّهم تقلّدوه عن غير نظر ولا استدلال، فكأنَّهم شاركوا الّذين افتروه من الشّياطين، أو سدنة الأصنام، وقادة دين الشّرك، وقد كانوا يموّهون على النّاس أنّ هذا ممّا أمر الله به كما دلّ عليه قوله في الآية بعد هذه :( افتراء عليه ( ( الأنعام : ١٣٨ ) وقوله في آخر السّورة :( قل هلمّ شهداءكم الذين يشهدون أنّ الله حرّم هذا ( ( الأنعام : ١٥٠ ).
٨ ) ) وَقَالُواْ هَاذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ).
عطف على جملة :( وكذلك زَيَّن لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤُهم ( ( الأنعام : ١٣٧ ) وهذا ضرب آخر من دينهم الباطل، وهو راجع إلى تحجير التّصرّف على أنفسهم في بعض أموالهم، وتعيين مصارفه، وفي هذا العطف إيماء إلى أنّ ما قالوه هو من تلقين شركائهم وسدنة أصنامهم كما قلنا في مَعْنى زيّن لهم شركاؤُهم.
والإشارة بهذه وهذه إلى حاضر في ذهن المتكلّمين عند صدور ذلك القول : وذلك أن يقول أحدهم هذه الأصناف مصرفها كذا، وهذه مصرفها كذا، فالإشارة من مَحكِيّ قولهم حين يَشْرعون في بيان أحكام
" صفحة رقم ١٠٥ "
أنّه أجل مجموعها لا أفرادها، ولو أريد آجال الأفراد لقال لكلّ أحد أو لكلّ حَيّ أجل.
و ) إذا ( ظرف زمان للمستقبل في الغالب، وتتضمّن معنى الشّرط غالباً، لأنّ معاني الظّروف قريبَة من معاني الشّرط لما فيها من التّعليق، وقد استُغني بفاء تفريع عامل الظرّف هنا عن الإتيان بالفاء في جواب ( إذا ) لظهور معنى الرّبط والتّعليق بمجموع الظّرفية والتّفريع، والمفرعُ هو :( جاء أجلهم ( وإنّما قدم الظّرف على عامله للاهتمام به ليتأكدّ بذلك التّقديممِ معنى التّعليق. والمجيء مجاز في الحلول المقدَّر له كقولهم جاء الشّتاء.
وإفراد الأجل في قوله :( إذا جاء أجلهم ( مراعى فيه الجنس، الصّادق بالكثير، بقرينة إضافته إلى ضمير الجمع.
وأُظهر لفظ أجل في قوله :( إذا جاء أجلهم ( ولم يُكتف بضميره لزيادة تقرير الحكم عليه، ولتكون هذه الجملة مستقلّة بنفسها غير متوقّفة عن سماع غيرها لأنّها بحيث تَجْري مَجرى المثل، وإرسالُ الكلام الصّالح لأن يكون مَثلا طريق مِن طُرق البلاغة.
و ) يستأخرون ( : و ) يستقدمون ( بمعنى : يتأخّرون ويتقدّمون، فالسّين والتّاء فيهما للتّأكيد مثل استجاب.
والمعنى : إنّهم لا يتجاوزونه بتأخير ولا يتعجّلونه بتقديم. والمقصود أنّهم لا يؤخّرون عنه، فَعَطْفُ ) ولا يستقدمون ( لبيان أن ما علمه الله وقدّره على وفق علمه لا يَقْدِر أحد على تغييره وصَرفه، فكان قوله :( ولا يستقدمون ( لا تعلّق له بغرض التّهديد. وقريب من هذا قول أبي الشيص :
وقف الهوى بي حيثُ أنتتِ فليس لي
مُتَأخَّرٌ عَنْهُ وَلاَ مُتَقَدَّم


الصفحة التالية
Icon