" صفحة رقم ١٢٩ "
تنحر، والبقر تذبح وتُنحر أيضاً. ومن البقر صنف له سنام فهو أشبه بالإبل ويوجد في بلاد فارس ودخل بلاد العرب وهو الجاموس، والبقرُ العربي لا سنام له وثَورها يسمّى الفريش.
ولمّا كانوا قد حرّموا في الجاهليّة بعض الغنم، ومنها ما يسمّى بالوصيلة كما تقدّم، وبعض الإبل كالبَحيرة والوصيلة أيضاً، ولم يحرّموا بعض المعز ولا شيئاً من البقر، ناسب أن يؤتى بهذا التّقسيم قبل الاستدلال تمهيداً لتحكّمهم إذْ حرّموا بعض أفراد من أنواع، ولم يحرّموا بعضاً من أنواع أخرى، وأسباب التّحريم المزعومة تتأتى في كلّ نوع فهذا إبطال إجمالي لما شرعوه وأنَّه ليس من دين الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
وهذا الاستدلال يسمى في علم المناظرة والبحث بالتحكّم.
والضأن بالهمز اسم جمع للغَنم لا واحد له من لفظه، ومفرد الضأن شاة وجمعها شاءٌ. وقيل هو جمع ضَائن. والضأن نوع من الأنعام ذواتتِ الظلف له صوف. والمعز اسم جمع مفرده ماعِز، وهو نوع من الأنعام شبيه بالضأن من ذوات الظلف له شعر مستطيل، ويقال : مَعْز بسكون العين ومَعز بفتح العين وبالأول قرأ نافع. وعاصم، وحمزة، والكسائي، وأبو جعفر، وخلف. وقرأ بالثّاني الباقون.
وبعد أن تمّ ذكر المنّة والتّمهيد للحجّة، غيرّ أسلوب الكلام، فابتدىء بخطاب الرّسول عليه الصّلاة والسلام بأن يجادل المشركين ويظهر افتراءهم على الله فيما زعموه من تحريم ما ابتدعوا تحريمه من أنواع وأصناف الأنعام على من عيّنوه من النّاس بقوله :( قل ءآلذكرين حرم ( الآيات. فهذا الكلام ردّ على المشركين، لإبطال ما شرعوه بقرينة قوله :( نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( وقوله :( أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا (
" صفحة رقم ١٢٩ "
بالمِهاد، وما هو فوقهم منها بالغواشي، وذلك كناية عن انتفاء الرّاحة لهم في جهنّم، فإنّ المرء يحتاج إلى المهاد والغاشية عند اضطجاعه للرّاحة، فإذا كان مهادهم وغاشيتهم النّار. فقد انتفت راحتهم، وهذا ذِكر لعذابهم السّوء بعد أن ذكر حِرمانهم من الخير.
وقوله :( غَواش ( وصف لمقدّر دلّ عليه قوله :( من جهنّم (، أي ومن فوقهم نيران كالغواشي. وذّيله بقوله :( وكذلك نَجزي الظالمين ( ليدلّ على أن سبب ذلك الجزاء بالعقاب : هو الظلمُ. وهو الشّرك. ولمّا كان جزاء الظّالمين قد شبّه بجزاء الذين كذّبوا بالآيات واستكبروا عنها، علم أنّ هؤلاء المكذّبين من جملة الظّالمين. وهم المقصود الأوّل من هذا التّشبيه، بحيث صاروا مثلاً لعموم الظالمين، وبهذين العمومين كان الجملتان تذييلين.
وليس في هذه الجملة الثّانية وضع الظّاهر موضع المضمر : لأنّ الوصفين، وإن كانا صادقين معاً على المكذّبين المشبَّهِ عقابُ أصحاب الوصفين بعقابهم. فوصف المجرمين أعمّ مفهوماً من وصف الظّالمين، لأنّ الإجرام يشمل التّعطيل والمجوسيّة بخلاف الإشراك. وحقيقة وضع المظهر موقع المضمر إنّما تتقوّم حيث لا يكون للاسم الظّاهر المذكور معنى زائد على معنى الضّمير.
٤٢ ) ) وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَائِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).
أُعقب الإنذار والوعيد للمكذّبين، بالبشارة والوعد للمؤمنين المصدّقين على عادة القرآن في تعقيب أحد الغرضين بالآخر.
وعُطف على :( الذين كذبوا بآياتنا ( ( الأعراف : ٤٠ ) أي : وإنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات إلخ، لأنّ بين مضمون الجملتين مناسبة متوسّطة بين كمال الاتّصال