" صفحة رقم ٣٧ "
وقد أشار هذا إلى أنّ كلّ من تَكلَّم في الدّين بما لا يعلمه، أو دعا النّاس إلى شيء لا يعلم أنّه حق أو باطل، فهو معتد ظالم لنفسه وللنّاس، وكذلك كلّ ما أفتى وليس هو بكفء للإفتاء.
٠ ) ) وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ).
) وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ).
جملة معترضة، والواو اعتراضيّة، والمعنى : إنْ أردتم الزّهد والتقرّب إلى الله فتقرّبوا إليْه بترك الإثم، لا بترك المباح. وهذا في معنى قوله تعالى :( ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البرّ من آمن بالله ( ( البقرة : ١٧٧ ) الآية.
وتقدّم القول على فعل ( ذَر ) عند قوله تعالى :( وذرِ الذين اتَّخذوا دينهم لعباً ولهواً. في هذه السّورة ( ٧٠ ). والإثم تقدّم الكلام عليه عند قوله تعالى : قل فيهما إثم كبير في سورة البقرة ( ٢١٩ ).
والتّعريف في الإثم : تعريف الاستغراق، لأنَّه في المعنى تعريف للظاهر وللباطن منه، والمقصود من هذين الوصفين تعميم أفراد الإثم لانحصارها في هذين الوصفين، كما يقال : المَشرق والمغرب والبَرّ والبحر، لقصد استغراق الجهات.
وظاهر الإثم ما يراه النّاس، وباطنُه ما لا يطّلع عليه النّاس ويقع في السرّ، وقد استوعب هذا الأمر ترك جميع المعاصي. وقد كان كثير من العرب يراءون النّاس بعمل الخير، فإذا خلوا ارتكبوا الآثام، وفي بعضهم جاء قوله تعالى : ومن النّاس مَن يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويُشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام وإذا تولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل والله لا يحبّ الفساد وإذا قيل له اتَّق الله أخذته العزّة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ( ( البقرة : ٢٠٤، ٢٠٦.
" صفحة رقم ٣٧ "
وتعدية فعلي ( خلقنا ) و ( صوّرنا ) إلى ضمير الخطاب ينتظم في سلك ما عاد إليه الضّمير قبله في قوله :( ولقد مكناكم في الأرض ( ( الأعراف : ١٠ ) الآية فالخطاب للنّاس كلّهم توطئة لقوله فيما يأتي :( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ( ( الأعراف : ٢٧ ) والمقصود بالخصوص منه المشركون لأنّهم الذين سوّل لهم الشّيطان كفران هذه النّعم لقوله تعالى عقب ذلك :( وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ( ( الأعراف : ٢٨ ) وقوله فيما تقدّم :( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون ( ( الأعراف : ٣ ).
وأمّا تعلُّق فعلي الخلق والتّصوير بضمير المخاطبين فمراد منه أصل نوعهم الأوّل وهو آدم بقرينة تعقيبه بقوله : ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فنُزل خلق أصل نوعهم منزلةَ خلق أفراد النّوع الذين منهم المخاطبون لأنّ المقصود التّذكير بنعمة الإيجاد ليشكروا موجدهم ونظيره قوله تعالى :( إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ( ( الحاقة : ١١ ) أي حملنا أصولكم وهم الذين كانوا مع نوح وتناسل منهم النّاس بعد الطّوفان، لأنّ المقصود الامتنان على المخاطبين بإنجاء أصولهم الذين تناسلوا منهم، ويجوز أن يؤول فعلا الخلق والتّصوير بمعنى إرادة حصول ذلك، كقوله تعالى : حكاية عن كلام الملائكة مع إبراهيم :( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ( ( الذاريات : ٣٥ ) أي أردنا إخراج من كان فيها، فإن هذا الكلام وقع قبل أمر لوط ومَن آمن به بالخروج من القرية.
ودلّ قوله :( ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ( على أنّ المخلوق والمصوّر هو آدم، ومعنى الكلام خلقنا أصلكم وصوّرناه فبرز موجوداً معيَّناً مسمّى بآدم، فإنّ التّسمية طريق لتعيين المسمّى، ثمّ أظهرنا فضله وبديع صنعنا فيه فقلنا للملائكة اسجدوا له فوقع إيجاز بديع في نسج الكلام.
و ( ثُمّ ) في قوله :( ثم قال للملائكة اسجدوا لآدم ( عاطفةٌ الجملةَ


الصفحة التالية
Icon