" صفحة رقم ٤٥ "
القطب الرّازي في ( شرح الكشاف ) القبيلَ الأول، ونحا التفتزاني القبيلَ الثّاني، والأظهر ما نحاه التفتزاني : أنَّهما استعارتان تمثيليتان، وأمّا كاف التّشبيه فهو متوجّه إلى المشابهة المنفيّة في مجموع الجملتين لا إلى مشابهة الحالين بالحالين، فمورد كاف التّشبيه غير مورد تمثيل الحالين. وبين الاعتبارين بون خفي.
والمراد : ب ) الظّلمات ( ظلمةُ القبر لمناسبته للميِّت، وبقرينة ظاهر ) في ( من حقيقة الظرفية وظاهر حقيقة فعل الخروج.
ولقد جاء التّشبيه بديعاً : إذ جعل حال المسلم، بعد أن صار إلى الإسلام، بحال من كان عديم الخير، عديم الإفادة كالميّت، فإنّ الشرك يحول دون التّمييز بين الحقّ والباطل، ويصرف صاحبه عن السّعي إلى ما فيه خيره ونجاته، وهو في ظلمة لو أفاق لم يعرف أين ينصرف، فإذا هداه الله إلى الإسلام تغيرّ حاله فصار يميّز بين الحقّ والباطل، ويعلم الصّالح من الفاسد، فصار كالحي وصار يسعى إلى ما فيه الصّلاح، ويتنكّب عن سبيل الفساد، فصار في نور يمشي به في النّاس. وقد تبيّن بهذا التّمثيل تفضيل أهل استقامة العقول على أضدادِهم.
والباء في قوله :( يمشي به ( باء السّببيّة. والنّاس المصرح به في الهيئة المشبه بها هم الأحياء الّذين لا يخلو عنهم المجتمع الإنساني. والنّاس المقدّر في الهيئة المشبهة هم رفقاء المسلم من المسلمين. وقد جاء المركب التّمثيلي تاماً صالحاً لاعتبار تشبيه الهيئة بالهيئة، ولاعتبار تشبيه كلّ جزء من أجزاء الهيئة المشبّهة بجزء من أجزاء الهيئة المشبّهِ بها، كما قد علمته وذلك أعلى التّمثيل.
وجملة :( ليس بخارج منها ( حال من الضّمير المجرور بإضافة ( مَثل )، أي ظلمات لا يرجى للواقع فيها تنوّر بنور ما دام في حالة الإشراك.
" صفحة رقم ٤٥ "
المقام استعمال فاء التّعليل، فهذا إذا كان المراد من الخبر إظهار ما فيه من الصّغار والحقارة التي غَفَل عنها فذهبت به الغفلة عنها إلى التّكبّر.
وقوله :( إنك من الصاغرين ( أشدّ في إثبات الصّغار له من نحو : إنّك صَاغر، أوْ قد صَغُرت، كما تقدّم في قوله تعالى :( قد ضللتُ إذا وما أنا من المهتدين في سورة الأنعام ( ٥٦ )، وقوله آنفاً : لم يكن من الساجدين ). والصّاغر المتّصف بالصّغار وهو الذلّ والحقارة، وإنّما يكون له الصّغار عند الله لأنّ جبلته صارت على غير ما يرضي الله، وهو صغار الغواية، ولذلك قال بعد هذا :( فبما أغويتني ( ( الأعراف : ١٦ ).
، ١٥ ) ) قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ ).
لمّا كوّن الله فيه الصّغار والحقارة بعد عزّة الملَكية وشرفها انقلبت مرامي همّته إلى التّعلق بالسّفاسف ( إذَا ما لم تكن إبل فمَعْزَى ) فسأل النَّظِرة بطول الحياة إلى يوم البعث، إذ كان يعلم قبل ذلك أنّه من الحوادث الباقية لأنّه من أهل العالم الباقي، فلمّا أهبط إلى العالم الأرضي ظنّ أنّه صائر إلى العدم فلذلك سأل النَظِرة إبقاء لما كان له من قبلُ، وإذ قد كان ذلك بتقدير الله تعالى وعلِمه، وبَدر من إبليس طلب النظِرة، قال الله تعالى :( إنك من المنظرين ( أي إنّك من المخلوقات الباقية.
وقد أفاد التّأكيد بإنّ والإخبارُ بصيغة ) من المنظرين ( أنّ إنظاره أمر قد قضاه الله وقدّره من قبللِ سؤاله، أي تحقّق كونك من الفريق الذين أنظروا إلى يوم البعث، أي أنّ الله خلق خلقاً وقدّر بقاءهم إلى يوم البعث، فكشف لإبليس أنّه بعض من جملة المنظرين من قبل حدوث المعصية منه، وإن الله ليس بمغيّر ما قدّره له، فجواب الله تعالى لإبليس إخبار عن أمر تَحقّق، وليس