" صفحة رقم ٦٠ "
الإطباق، كما هنا، فإنَّه أريد تخفيف أحد الحروف الثّلاثة المتحرّكة المتوالية من ( يَتصعّد )، فسُكنت التاء ثمّ أدغمت في الصّاد إدغام المقارب للتخفيف. وقرأه ابن كثير :( يَصْعَد ( بسكون الصّاد وفتح العين، مخفّفاً. وقرأه أبو بكر، عن عاصم :( يصّاعد ( بتشديد الصّاد بعدها ألف وأصله يتصاعد.
وجملة ) كأنما يصعد ( في موضع الحال من ضمير :( صدْرَه ( أو من صَدره، مُثِّل حال المشرك حين يدعى إلى الإسلام أو حين يخلو بنفسه، فيتأمل في دعوة الإسلام، بحال الصّاعد، فإنّ الصّاعد يضيق تنفّسه في الصّعود، وهذا تمثيل هيئة معقولة بهيئة متخيَّلة، لأنّ الصّعود في السّماء غير واقع.
والسّماء يجوز أن يكون بمعناه المتعارف، ويجوز أن يكون السّماء أطلق على الجوّ الّذي يعلو الأرض. قال أبو عليّ الفارسي :( لا يكون السّماء المُظلةَ للأرض، ولكن كما قال سيبويه القيدود الطويل في غير سماء أي في غير ارتفاع صعداً ) أراد أبو عليّ الاستظهار بكلام سيبويه على أنّ اسم السّماء يقال للفضاء الذّاهب في ارتفاع ( وليست عبارة سيبويه تفسيراً للآية ).
وحرف ) في ( يجوز أن يكون بمعنى ( إلى )، ويجوز أن يكون بمعنى الظرفية : إمَّا بمعنى كأنّه بلغ السّماء وأخذ يصعد في منازلها، فتكون هيئة تخييلية، وإمّا على تأويل السّماء بمعنى الجوّ.
وجملة :( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ( تذييل للتي قبلها، فلذلك فصلت.
" صفحة رقم ٦٠ "
وقوله :( أو تكونا من الخالدين ( عطف على :( أن تكونا ملكين ( وأصل ( أو ) الدّلالة على التّرْديد بين أحد الشّيئين أو الأشياء، سواء كان مع تجويز حصول المتعاطفات كلّها فتكون للإباحة بعد الطّلب، وللتّجويز بعد الخبر أو للشكّ ؛ أم كان مع منع البعض عند تجويز البعض فتكون للتّخيير بعد الطّلب وللشكّ أو التّرْديد بعد الخبر، والتّرديدُ لا ينافي الجزم بأن أحد الأمرين واقع لا محالة كما هنا، فمعنى الكلام أن الآكل من هذه الشّجرة يكون مَلَكاً وخالداً، كما قال عنه في سورة طه ( ١٢٠ ) :( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى فجعل نهي الله لهما عن الأكل لاَ يَعدو إرادة أحد الأمرين، ويستفاد من المقام أنّه قد يريد حرمانهما من الأمرين جميعاً بدلالة الفحوى، ولم يكن آدم قد علم حينئذ أنّ الخلود متعذر، وأنّ الموت والحشر والبعث مكتوب على النّاس، فإنّ ذلك يتلقّى من الوحي كما في قوله تعالى لهما في الآية الأخرى : ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ( ( البقرة : ٣٦ ).
) وقاسمهما ( أي حلف لهما بما يوهم صدقه، والمقاسمة مفاعلة من أقسم إذا حلف، حذفت منه الهمزة عند صوغ المفاعلة، كما حذفت في المكارمة، والمفاعلةُ هنا للمبالغة في الفعل، وليست لحصول الفعل من الجانبين، ونظيرها : عافاه الله، وجعله في ( الكشاف ) : كأنّهما قالا له تُقسم بالله إنّك لمن النّاصحين فَأقْسم فجُعل طلبُهما القسمَ بمنزلة القسم، أي فتكون المفاعلة مجازاً، قال أو أقسم لهما بالنّصيحة وأقسما له بقبولها، فتكون المفاعلة على بابها، وتأكيد إخباره عن نفسه بالنّصح لهما بثلاث مؤكدَات دليل على مبلغ شكّ آدم وزوجه في نصحه لهما، وما رأى عليهما من مخائل التّردّد في صدقه، وإنّما شكّا في نصحه لأنّهما وَجدا ما يأمرهما مخالفاً لما أمرهما الله الذي يعلمان إرادتَه بهما الخير علماً حاصلاً بالفطرة.
) ) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ).