" صفحة رقم ٩٦ "
من قبلك في سورة النساء ( ٦٠ )، وهو مثلّث الزاي، والمشهور فيه فتح الزاي، ومثله الرّغم بالرّاء مثلّث الراء.
وقرأ الجمهور بفتح الزاي وقرأه الكسائي بضمّ الزاي ويتعلّق قولهم : بزعمهم ( ب ) قالوا ( وجُعل قوله :( بزعمهم ( موالياً لبعض مقول القول ليكون متّصلاً بما جعلوه لله فيرتَّبُ التّعجيب من حكمهم بأنّ ما كان لله يصل إلى شركائهم، أي ما اكتفوا بزعمهم الباطل حتّى نكلوا عنه وأشركوا شركاؤهم فيماجعلوه لله بزعمهم.
والباء الداخلة على ) بزعمهم ( إمّا بمعنى ) مِن ( أي، قالوا ذلك بألسنتهم، وأعلنوا به قولاً ناشئاً عن الزعم، أي الإعتقاد الباطل، وإمّا للسببيّة، أي قالوا ذلك بسبب أنّهم زعموا. ومحلّ الزّعم هو ما اقتضته القسمة بين الله وبين الآلهة، وإلاّ فإنّ القول بأنّه ملك لله قول حقّ، لكنّهم لما قالوه على معنى تعيين حقّ الله في ذلك النّصيب دون نصيب آخر. كان قولهم زعماً باطلاً.
والشّركاء هنا جمع شريك، أي شريك الله سبحانه في الإلهية، ولمّا شاع ذلك عندهم صار كالعَلم بالغلبة، فلذلك استغنى عن الإضافة إلى ما فيه المعنى المشتقّ منه أعني الشّركة ثمّ لأجل غلبته في هذا المعنى صار بمنزلة اللّقب، فلذلك أضافوه إلى ضميرهم، فقالوا : لشركائنا، إضافة معنوية لا لفظيّة، أي للشّركاء الّذين يُعرفون بنا. قال ابن عبَّاس وأصحابه : كان المشركون يجعلون لله من حروثهم ( يعني زرعهم وشجرهم ) وأنعامهم نصيباً وللأوثان نصيباً فما كان للأصنام أنفقوه عليها وما كان لله أطعموه الضيفان والمساكين ولا يأكلون منه البتة.
وكانوا يجعلون البَحيرة والسائبة والوصيلة والحامي للأصنام. وذكر ابن إسحاق : أنّ ( خَوْلاَن ) كان لهم صنم اسمه ( عَمّ أنَس ) يقسمون له من
" صفحة رقم ٩٦ "
وافتتاح الجملة ب ) قل ( دلالة على أنّه كلام مسوق للردّ والإنكار والمحاورة.
والاستفهام إنكاري قصد به التّهكّم إذ جعلهم بمنزلة أهل علم يطلب منهم البيان والإفادة نظير قوله :( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ( ( الأنعام : ١٤٨ ) وقوله ) نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ( ( الأنعام : ١٤٣ ) وقرينة التّهكّم : إضافة الزّينة إلى اسم الله، وتعريفها بأنّها أخرجها الله لعباده، ووصفُ الرّزق بالطّيبات، وذلك يقتضي عدم التّحريم، فالاستفهام يؤول أيضاً إلى إنكار تحريمها.
ولوضوح انتفاء تحريمها، وأنّه لا يقوله عاقل، وأنّ السؤال سؤال عالم لا سؤال طالب علم، أُمر السّائل بأن يجيب بنفسه سؤَالَ نفسِه، فعُقب ما هو في صورة السؤال بقوله :( قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ( على طريقة قوله :( قل لمن ما في السموات والأرض قل لله في سورة الأنعام ( ١٢ )، وقوله عم يتساءلون عن النبإ العظيم ( ( النبأ : ١، ٢ ) فآل السؤال وجوابه إلى خبرين.
وضمير :( هي ( عائد إلى الزينة والطّيبات بقطع النّظر عن وصْف تحريم من حرّمها، أي : الزّينةُ والطّيبات من حيث هي هي حلال للذين آمنوا فمن حرّمها على أنفسهم فقد حَرَمُوا أنفسهم.
واللاّم في :( للذين آمنوا ( لام الاختصاص وهو يدلّ على الإباحة، فالمعنى : ما هي بحرام ولكنّها مباحة للذين آمنوا، وإنّما حَرَم المشركون أنفسهم من أصناف منها في الحياة الدّنيا كلّها مثل البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وما في بطونها، وحَرَم بعض المشركين أنفسهم من أشياء في أوقات من الحياة الدّنيا ممّا حرّموه على أنفسهم من اللّباس في الطّواف وفي منى، ومن أكل اللّحوم والودَك والسّمن واللّبن، فكان الفوز للمؤمنين إذ اتّبعوا أمر الله بتحليل ذلك كلّه في جميع أوقات الحياة الدّنيا.
وقوله :( خالصة يوم القيامة ( قرأه نافع، وحده : برفع خالصة على أنّه خبر ثان عن قوله :( هي ( أي : هي لهم في الدّنيا وهي لهم خالصة