" صفحة رقم ٢٥٣ "
رفعاً للنزاع بينهم في استحقاق الأنفال، أو في طلب التنفيل، فلما حكم بأنها ملك لله ورسوله أو بأن أمر قسمتها موكول لله، فقد وقع ذلك على كراهة كثير منهم ممن كانوا يحسبون أنهم أحق بتلك الأنفال ممن أعطيها، تبعاً لعوائِدهم السالفة في الجاهلية فذكرهم الله بأن قد وجب الرضى بما يقسمه الرسول منها، وهذا كله من المقول.
وقدم الأمر بالتقوى، لأنها جامع الطاعات.
وعُطف الأمر بإصلاح ذات البين، لأنهم اختصموا واشتجروا في شأنها كما قال عبادة بن الصامت :( اختلفْنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا ) فأمرهم الله بالتصافح، وختم بالأمر بالطاعة، والمراد بها هنا الرضى بما قسم الله ورسوله أي الطاعة التامة كما قال تعالى ) ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ( ( النساء : ٦٥ ).
والإصلاح : جعل الشيء صالحاً، وهو مؤذن بأنه كان غير صالح، فالأمر بالإصلاح دل على فساد ذات بينهم، وهو فساد التنازع والتظالم.
و ) ذات ( يجوز أن تكون مؤنث ( ذو ) الذي هو بمعنى صاحب فتكون ألفها مبدلة من الواو. ووقع في كلامهم مضافاً إلى الجهات وإلى الأزمان وإلى غيرهما، يجرونه مُجرى الصفة لموصوف يدل عليه السياق كقوله تعالى :( ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال ( في سورة الكهف ( ١٨ )، على تأويل جهة، وتقول : لقيته ذات ليلة، ولقيته ذات صباح، على تأويل المقدر ساعة أو وقت، وجرت مجرى المثل في ملازمتها هذا الاستعمال، ويجوز أن تكون ( ذات ) أصلية الألف كما يقال : أنا أعرف ذات فلان، فالمعنى حقيقة الشيء وماهيته، كذا فسرها الزجاج والزمخشري، فهو كقول ابن رواحة :
وذلك في ذاتتِ الإله وإن يَشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
فتكون كلمةً مقحمةً لتحقيق الحقيقة، جُعلت مُقدمة، وحقها التأخير لأنها للتأكيد مثل المعنى في قولهم : جاءني بذاته، ومنه يقولون : ذات اليمين وذات الشمال، قال تعالى ) إنه عليم بذات الصدور ).
فالمعنى : أصلحوا بينكم، ولذا ف ( ذات ) مفعول به على أن ( بَين ) في الأصل ظرف فخرج عن الظرفية، وجعل اسماً منتصرفاً، كما قُرىء ) لقد تقطع بينُكم ( ( الأنعام : ٩٤ ) برفع بينُكم في قراءة جماعة. فأضيفت إليه ( ذات ) فصار المعنى : أصلحوا حقيقة بينكم


الصفحة التالية
Icon