" صفحة رقم ٢٥٩ "
العمل بما تتضمنه من أمر أو نهي، حتى يحصل كمال التقوى، فلا جرم كان لكل آية تتلى على المؤمنين زيادة في عوارض الإيمان من قوة اليقين وتكثير الأعمال فهذا وصف راسخ للآيات ويجوز أن تفسر زيادة الإيمان عند تلاوة الآيات بأنها زيادة إدراك للمعاني المؤمن بها، كما فسرت زيادة الإيمان بالنسبة إلى الأعمال، التي تجب على المؤمن إذ تلك الإدراكات تعلقات بعضها حسي وبعضها عقلي.
وحظ المقام المتعلق بآحكام الأنفال من هذه الزيادة هو أن سماع آيات حكم الأنفال يزيد إيمان المؤمنين قوة، بنبذ الشقاق والتشاجر الطارىء ببينهم في أنفس الأموال عندهم، وهو المال المكتسب من سيوفهم، فإنه أحب أموالهم إليهم. وفي الحديث ( وجعل رزقي تحت ظل رمحي ) وبذلك تتضح المناسبة بين ذكر حكم الأنفال، وتعقيبه بالأمر بالتقوى وإصلاح ذات البين والطاعة، ثم تعليل ذلك بأن شأن المؤمنين ازدياد إيمانهم عند تلاوة آيات الله.
صلة ثالثة ل ) المؤمنون ( أوحال منه، وجعلت فعلاً مضارعاً للدلالة على تكرر ذلك منهم، ووصفهم بالتوكل على الله وهو الاعتماد على الله في الأحوال والمساعي ليقدر للمتوكل تيسيراً مرة ويعوضه عن الكسب المنهي عنه بآحسن منه من الحلال المأذون فيه. وتقدم تفسير التوكل عند قوله :( فإذا عزمت، فتوكل على الله ( في سورة آل عمران ( ١٥٩ ).
ومناسبة هذا الوصف للغرض : أنهم أمروا بالتخلي عن الأنفال، والرضى بقسمة الرسول ( ﷺ ) فيها، فمن كان قد حرم من نفل قتيله يتوكلُ على الله في تعويضه بأحسن منه.
وتقديم المجرور في قوله :( وعلى ربهم يتوكلون ( إما للرعاية على الفاصلة فهو من مقتضيات الفصاحة مع ما فيه من الاهتمام باسم الله، وإما للتعريض بالمشركين، لأنهم يتوكلون على إعانة الأصنام، قال تعالى :( واتخذوا من دون الله آلهةً ليكونوا لهم عزاً ( ( مريم : ٨١ ) فيكون الكلام مدحاً للمؤمنين، وتعريضاً بذم المشركين، ثم فيه تحذير من أن تبقى في نفوس المؤمنين آثار من التعلق بما نهوا عن التعلق به، لتوهمهم أنهم إذا فوّتوه فقد أضاعوا خيراً من الدنيا.


الصفحة التالية
Icon