" صفحة رقم ٢٦٨ "
ذلك فقال له عمر بمَ أفتيتَهم قال : أفتيتهم بأكله فقال :( لو أفتيتهم بغير ذلك لأوْجَعْتُك ).
وجملة :( كأنما يساقون إلى الموت ( في موضع الحال من الضمير المرفوع في ) يجادلونك ( أي حالتهم في وقت مجادلتهم إياك تشبه حالتهم لو ساقهم سائق إلى الموت، والمراد بالموت الحالة المضادة للحياة وهو معنى تكرهه نفوس البشر، ويصوره كل عقل بما يتخيله من الفظاعة والبشاعة كما تصوره أبو ذؤيب في صورة سَبُع في قوله :
وإذا المنية أنشبت أظفارها
وكما تخيل، تأبط شراً الموت طامعا في اغتياله فنجا منه حين حاصره أعداؤه في جحر في جبل :
فَخَالطَ سَهْلَ الأرض لم يكدح الصفا
به كَدْحةً والموتُ خزيانُ يَنظر
فقوله تعالى :( كأنما يساقون إلى الموت ( تشبيه لحالهم، في حين المجادلة في اللحاق بالمشركين، بحال من يجادل ويمانع من يسوقه إلى ذات الموت.
وهذا التفسير أليق بالتشبيه لتحصل المخالفة المطلقة بين الحالة المشبهة والحالة المشبه بها، وإلا فإن أمرهم بقتال العدو الكثير العَدد، وهم في قلة، إرْجاء بهم إلى الموت إلا أنه موت مظنون، وبهذا التفسير يظهر حسن موقع جملة :( وهم ينظرون ( أما المفسرون فتأولوا الموت في الآية بأنه الموت المتيقن فيكون التخالف بين المشبه والمشبه به تخالفاً بالتقييد.
وجملة :( وهم ينظرون ( حال من ضمير ) يساقون ( ومفعول ) ينظرون ( محذوف دل عليه قوله :( إلى الموت ( أي : وهم ينظرون الموتَ، لأن حالة الخوف من الشيء المخوف إذا كان منظوراً إليه تكون أشد منها لو كان يعلم أنه يساق إليه ولا يَراه، لأن للحس من التأثير على الإدراك ما ليس لمجرد التعقل، وقريب من هذا المعنى قول جعفر بن عُلْبَةَ :
يَرى غمراتتِ الموت ثم يزورها
وفي عكسه في المسرة قوله تعالى :( وأغرقنا آل فرعون وأنتُم تنظرون ( ( البقرة : ٥٠ ).


الصفحة التالية
Icon