" صفحة رقم ٢٨٨ "
وحكم هذه الآية باق غير منسوخ عند جمهور أهل العلم، وروي هذا عن ابن عباس، وبه قال مالك، والشافعي، وجمهور أهل العلم، لكنهم جعلوا عموم هذه الآية مخصوصاً بآية ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً إلى قوله بإذن الله ( ( الأنفال : ٦٥، ٦٦ ).
والوجه في الاستدلال أن هذه الآية اشتملت على صيغ عموم في قوله :( ومَن يولهم يومئدٍ دبره ( إلى قوله ) فقد باء بغضب من الله ( وهي من جانب آخر مطلقة في حالة اللقاء من قوله :( إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً ( فتكون آيات ) إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين إلى قوله يغلبوا ألفين ( ( الأنفال : ٦٥، ٦٦ ) مخصصة لعموم هاته الآية بمقدار العدد ومقيدة لإطلاقها اللقاء بقيد حالة ذلك العدد، وروي عن أبي سعيد الخدري، وعطاء، والحسن، ونافع، وقتادة، والضحاك : أن هذه الآية نزلت قبل وقعة بدر، وقالوا إن حكمها نسخ بآية الضعفاء آية ) إن يكن منكم عشرون صابرون ( ( الأنفال : ٦٥ ) الآية وبهذا قال أبو حنيفة، ومآل القولين واحد بالنسبة لما بعد يَوم بدر، ولذلك لم يختلفوا في فقه هذه الآية إلاّ ما روي عن عطاء كما سيأتي، والصحيح هو الأول كما يقتضيه سياق انتظام آي السورة، ولو صح قول أصحاب الرأي الثاني للزم أن تكون هذه الآية قد نزلت قبل الشروع في القتال يوم بدر ثم نزلت سورة الأنفال فألحقت الآية بها، وهذا ما لم يقله أحد من أصحاب الأثر.
وذهب فريق ثالث : إلى أن قوله تعالى :( فلا تولوهم الأدبار ( الآية محكم عام في الأزمان، لا يخصص بيوم بدر ولا بغيره، ولا يخص بعدد دون عدد، ونسب ابنُ الفرس، عن النحاس، إلى عطاء بن أبي رباح، وقال ابن الفرس قال أبو بكر بن العربي هو الصحيح لأنه ظاهر القرآن والحديث، ولم يذكر أين قال ابن العربي ذلك، وأنا لم أقف عليه.
ولم يستقر من عمل جيوش المسلمين، في غزواتهم مع رسول الله ( ﷺ ) ومع الأمراء الصالحين في زمن الخلفاء الراشدين، ما ينضبط به مدى الإذن أو المنع من الفرار، وقد انكشف المسلمون يوم أُحُد فعنفهم الله تعالى بقوله :( إن الذين تولوا منكم يومَ التقي الجمْعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم ( ( آل عمران : ١٥٥ ) وما عفا عنهم إلاّ بعد أن استحقوا الإثم، ولما انكشفوا عند لقاء هوازن


الصفحة التالية
Icon