" صفحة رقم ٢٩١ "
فئةٍ قليلةَ وتطلق على مؤخرة الجيش لأنها يفيء إليها مَن يحتاج إلى إصلاح أمره أو مَن عَرض له ما يَمنعه من القتال من مرض أو جراحة أو يستنجد بهم، فهو تولَ لمقصد القتال، وليس المراد أن ينحاز إلى جماعة مستريحين لأن ذلك من الفرار، ويدخل في معنى التحيز إلى الفئة الرجوع إلى مقر أمير الجيش للاستنجاد بفئة أخرى، وكذلك القفول إلى مقر أمير المِصر الذي وجه الجيش للاستمداد بجيش آخر إذا رأى أميرُ الجيش ذلك من المصلحة كما فعل المسلمون في فتح إفريقية وغيره في زمن الخلفاء، ولما انهزم أبو عبيد بن مسعود الثقفي يوم الجسر بالقادسية، وقتل هو ومن معه من المسلمين، قال عمر بن الخطاب : هلاّ تَحيّز إليّ فأنا فِئتُهْ.
وباء } رجع. والمعنى أن الله غضب عليه في رجوعه ذلك فهو قد رجع ملابساً لغضب الله تعالى عليه. ومناسبة ( باء ) هنا أنه يشير إلى أن سبب الغضب عليه هو ذلك البَوْء الذي باءه. وهذا غضب الله عليه في الدنيا المستحق الذم وغيره مما عسى أن يحرمه عناية الله تعالى في الدنيا، ثم يترتب عليه المصير إلى عذاب جهنم، وهذا يدل على أن توليه الظهر إلى المشركين كبيرة عظيمة. فالآية دالة على تحريم التولي عن مقابلة العدو حين الزحف.
والذي أرى في فقه هذه الآية أن ظاهر الآية هو تحريم التولي على آحادهم وجماعتهم إذا التقوا مع أعدائهم في ملاحم القتال والمجالدة، بحيث إن المسلمين إذا توجهوا إلى قتال المشركين أو إذا نزل المشركون لمقاتلتهم وعزموا على المقاتلة فإذا التقى الجيشان للقتال وجب على المسلمين الثبات والصبر للقتال، ولو كانوا أقل من جيش المشركين، فإمّا أن ينتصروا، وإمّا أن يتشهدوا، وعلى هذا فللمسلمين النظر قبل اللقاء هل هم بحيث يستطيعون الثبات وجهه أولاً، فإن وقت المجالدة يضيق عن التدبير، فعلى الجيش النظر في عَدده وعُدده ونسبة ذلك من جيش عدوهم، فإذا أزمعوا الزحف وجب عليهم الثبات، وكذلك يكون شأنهم في مدة نزولهم بدار العدو، فإذا رأوا للعدو نجدة أو ازدياد قوة نظروا في أمرهم هل يثبتون لقتاله أو ينصرفون بإذن أميرهم، فإمّا أن يأمرهم بالكف عن متابعة ذلك


الصفحة التالية
Icon