" صفحة رقم ٢٩٥ "
فِعل أو قول كما في قول النابغة :
رمَى الله في تلك الأكففِ الكَوانع
أي أصابها بما يُشلها وقول جميل :
رمَى الله في عيني بُثينة بالقذى
وفي الغُر من أنيابها بالقوازح
وقوله تعالى :( والذين يرمون أزواجهم ( ( النور : ٦ ) فيجوز أن يكون ) رميتَ ( الأول وقولَه :( ولكن الله رمى ( مستعملين في معناهما المجازي أي وما أصبت أعينَهم بالقذى ولكن الله أصابها به لأنها إصابة خارقة للعادة فهي معجزة للنبيء ( ﷺ ) وكرامة لأهل بدر فنفيت عن الرمي المعتاد وأسندت إلى الله لأنها بتقدير خفي من الله، ويكون قوله :( إذ رميت ( مستعملاً في معناه الحقيقي، وفي ( القرطبي ) عن ثعلب أن المعنى وما رميتَ الفزع والرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء فانهزموا، وفيه عن أبي عبيدة أن ( رميتَ ) الأول والثاني، و ( رمى ) مستعملة في معانيها الحقيقية، وهو ما درج عليه جمهور المفسرين وجعلوا المنفي هو الرمي الحقيقي والمثبت في قوله :( إذ رميت ( هو الرمي المجازي وجعله السكاكي من الحقيقة والمجاز العقليين فجعل ما رميت نفياً للرمي الحقيقي وجعل ( إذ رميت ) للرمي المجازي.
وقوله :( إذ رميت ( زيادة تقييد للرمي وأنه الرمي المعروف المشهور، وإنما احتيج إليه في هذا الخبر ولم يؤت بمثله في قوله :( فلم تَقتلوهم ( لأن القتل لما كانت له أسباب كثيرة كان اختصاص سيوف المسلمين بتأثيره غير مشاهد، وكان من المعلوم أن الموت قد يحصل من غير فعل فاعل غيرِ الله، لم يكن نفي ذلك التأثير، وإسناد حصوله إلى مجرد فعل الله محتاجاً إلى التأكيد بخلاف كون رمي الحصى الحاصل بيد الرسول ( ﷺ ) حاصلاً منه، فإن ذلك أمر مشاهد لا يقبل الاحتمال، فاحتيج في نفيه إلى التأكيد إبطالاً لاحتمال المجاز في النفي بأن يُحمل على نفي رمي كامل، فإن العرب قد ينفون الفعل ومرادهم نفي كماله حتى قد يَجمعون بين الشيء وإثباته أو نفي ضده بهذا الاعتبار، كقول عباس بن مرداس :
فلم أعْطَ شيئاً ولم أمْنع
أي شيئاً مجدياً، فدل قوله :( إذ رميت ( على أن المراد بالنفي في قوله :( وما رميت (


الصفحة التالية
Icon