" صفحة رقم ٢٩٨ "
وليس ذلك لمجرد اللهو، ولكن ليتسامع العرب فيتساءلوا عن سبب ذلك فيخبروا بأنهم غلبوا المسلمين فيصرفهم ذلك عن إتباع الإسلام، فأراد الله توهينهم بهزمهم تلك الهزيمة الشنعاء فهو موهن كيدهم في الحال وتقدم تفسير، الكيد عند قوله تعالى :( وأملي لهم إن كيدي متينٌ ( في سورة الأعراف ( ١٨٣ ).
وقرأ نافع وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ) مُوَهِّنٌ ( بفتح الواو وبتشديد الهاء وبالتنوين ونصب ) كيدَ (، وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وخلف، ويعقوب، ) مُوهِنٌ ( بتسكين الواو وتخفيف الهاء ونصب ) كيد ( والمعنى على القراءتين سواء، وقرأ حفص عن عاصم بإضافة ) مُوهِنٌ ( إلى ) كيد (، والمعنى وهي إضافة لفظية مساوية للتنكير.
) ) إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ).
جمهور المفسرين جعلوا الخطاب موجهاً إلى المشركين، فيكون الكلام اعتراضاً خوطب به المشركون في خلال خطبات المسلمين بمناسبة قوله :( ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ( ( الأنفال : ١٨ ) والخطاب التفات من طريق الغيبة الذي اقتضاه قوله :( وأن الله موهن كيد الكافرين ( ( الأنفال : ١٨ ) وذكر المفسرون في سبب نزولها أن أبا جهل وأصحابه لما أزمعوا الخروج إلى بدر استنصروا الله تجاه الكعبة، وأنهم قبل أن يشرعوا في القتال يومَ بدر استنصروا الله أيضاً وقالوا ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه، فخوطبوا بأن قد جاءهم الفتح على سبيل التهكم أي الفتح الذي هو نصر المسلمين عليهم.
وإنما كان تهكماً لأن في معنى ) جاءكم الفتح ( استعارة المجيء للحصول عندهم تشبيهاً بمجيء المُنجد لأن جعل الفتح جاءيا إياهم. يقتضي أن النصر كان في جانبهم ولمنفعتهم، والواقع يخالف ذلك، فعُلم أن الخبر مستعمل في التهكم بقرينة مخالفته الواقع بمسمع المخاطبين ومرآهم.
وحَمل ابن عطية فعل ) جاءكم ( على معنى : فقد تبين لكم النصر ورأيتموه أنه


الصفحة التالية
Icon