" صفحة رقم ٣٠٧ "
لا يسمعون ( ويجوز أن تكون معطوفة على شبه الجملة في قوله :( كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( وقد سكت المفسرون عن موقع إعراب هذه الجملة وهو دقيق والمعنى أن جبلتهم لا تقبل دعوة الخير والهداية والكمال، فلذلك انتفى عنهم الانتفاع بما يسمعون من الحكمة والموعظة والإرشاد، فكانوا كالصم، وانتفى عنهم أن تصدر منهم الدعوة إلى الخير والكلام بما يفيد كمالاً نفسانياً فكانوا كالبكم، فالمعنى : لو علم الله في نفوسهم قابلية لتلقي الخير لتعلقت إرادته بخلق نفوذ الحق في نفوسهم لأن تعلق الإرادة يجري على وَفق التعلم، ولكنهم انتفت قابلية الخير عن جبلتهم التي جبلوا عليها فلم تنفذ دعوة الخير من أسماعهم إلى تعقلهم، أي بحيث لا يدخل الهدى إلى نفوسهم إلاّ بما يُقلب قلوبهم من لطف إلاّ هي بنحو اختراق أنوار نبوية إلى قلوبهم.
و ) لو ( حرف شرط يقتضي انتفاء مضمون جملة الشرط وانتفاء مضمون جملة الجزاء لأجل انتفاء مضمون الشرط والاستدلالَ بانتفاء الجزاء على تحقق انتفاء الشرط.
و ( في ) للظرفية المجازية التي هي في معنى الملابسة، ومن لطائفها هنا أنها تعبر عن ملابسه باطنية.
ولما كان ( لو ) حرفاً يفيد امْتناع حصول جوابه بسبب حصول شرطه، كان أصل معنى ) لوْ علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ( ولو كان في إدراكهم خير يعلمه الله لقبِلوا هديه ولكنهم لا خير في جبلة مداركهم فلا يعلم الله فيهم خيراً، فلذلك لم ينتفعوا بكلام الله فهُم كمن لا يسمع.
فوقعت الكناية عن عدم استعداد مداركهم للخير، بعلم الله عدمَ الخير فيهم. ووقع تشبيه عدم انتفاعهم بفهم آيات القرآن بعدم إسماع الله إياهم، لأن الآيات كلام الله فإذا لم يقبلوها فكأن الله لم يُسمعهم كلامه فالمراد انتفاء الخير الجبلي عنهم، وهو القابلية للخير، ومعلوم أن انتفاء علم الله بشيء يساوي علمَه بعدمه لأن علم الله لا يختلف عن شيء.
فصار معنى ) لو علم الله فيهم خيراً ( لو كان في نفوسهم خير، وعُبر عن قبولهم الخير المسموع وانفعاللِ نفوسهم به بإسماع الله إياهم ما يُبلغهم الرسول عليه الصلاة والسلام