" صفحة رقم ٣٢٠ "
الذي يسّر لهم ذلك كله قبل أن يكون لهم فيه كسب أو تعمّل، أفلا يكون ناصراً لهم بعد أن ازدادوا وعزوا وسعَوا للنصر بأسبابه، وأفلا يستجيبونهم له إذا دعاهم لما يحييهم وحالهم أقرب إلى النصر منها يوم كانوا قليلاً مستضعفين.
والتخطف شدة الخطف، والخطف : الأخذ بسرعة، وقد تقدم عند قوله تعالى :( يكاد البرق يخطف أبصارهم ( ( البقرة : ٢٠ ) وهو هنا مستعار للغلبة السريعة لأن الغلبة شبه الأخذ، فإذا كانت سريعة أشبهت الخطف، قال تعالى :( ويتخطف الناس من حولهم ( ( العنكبوت : ٢٧ ) أي يأخذكم أعداؤكم بدون كبرى مشقة، ولا طول محاربة إذ كنتم لقمة سَايغة لهم، وكانوا أشد منكم قوة، لولا أن الله صرفهم عنكم، وقد كان المؤمنون خائفين في مكة، وكانوا خائفين في طرق هجرتيْهم، وكانوا خائفين يوم بدَر، حتى أذاقهم الله نعمة الأمن من بعد النصر يوم بدر.
و ) الناس ( مراد بهم ناس معهودون وهم الأعداء، المشركون من أهل مكة وغيرهم، أي طائفة معروفة من جنس الناس من العراب الموالين لهم.
وما رزقهم الله من الطيبات : هي الأموال التي غنموها يوم بدر.
والإيواء : جعل الغيْر ءاوياً، أي راجِعاً إلى الذي يجعله، فيؤول معناه إلى الحفظ والرعاية.
والتأييد : التقوية أي جعل الشيء ذا أيد، أي ذا قدرة على العمل، لأن اليد يكنى بها عن القدرة قال تعالى :( واذْكر عبدنا داود ذا الأيد ( ( ص : ١٧ ).
وجملة :( ورزقكم من الطيبات ( إدماج بذكر نعمة توفير الرزق في خلال المنة بنعمة النصر وتوفير العَدد بعد الضعف والقلة، فإن الأمن ووفرة العدد يجلبان سعة الرزق.
ومضمون هذه الآية صادق أيضاً على المسلمين في كل عصر من عصور النبوة والخلافة الراشدة، فجماعتهم لم تزل في ازدياد عزة ومنعة، ولم تزل منصورة على الأمم العظيمة التي كانوا يخافونها من قبل أن يؤمنوا، فقد نصرهم الله على هوازن يوم حُنين، ونصرهم على الروم يوم تَبوك ونصرهم على الفرس يوم القادسية، وعلى الروم في مصر، وفي برقة، وفي إفريقية، وفي بلاد الجلالقة، وفي بلاد الفرنجة من أوروبا، فلما زاغ المسلمون وتفرقوا أخذ أمرهم يقِف ثم ينقبض ابتداء من ظهور