" صفحة رقم ٣٢٦ "
من قوله :( إن شر الدواب عند الله الصم البكم ( ( الأنفال : ٢٢ ) وقوله ) واتقوا فتنة ( ( الأنفال : ٢٥ ) الآية، ورتب على التقوى : الوعد بالنصر ومغفرة الذنوب وسعة الفضل.
والفرقان أصله مصدر كالشكران والغُفران والبُتان، وهو ما يَفرِق أي يميَز بين شيئين متشابهين، وقد أطلق بالخصوص على أنواع من التفرقة فأطلق على النصر، لأنه يفرق بين حاليْن كانا محتَمَلَيْن قبلَ ظهور النصر، ولُقب القرآنُ بالفرقان ؛ لأنه فَرّقَ بين الحق والباطل، قال تعالى :( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ( ( الفرقان : ١ ) ولعل اختياره هنا لقصد شموله ما يصلح للمقام من معانيه، فقد فُسّر بالنصر، وعن السدي، والضحاك، ومجاهد، الفرقانُ المَخْرَج، وفي ( أحكام ابن العربي )، عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب أنهم سألوا مالكاً عن قوله تعالى :( يجعل لكم فرقاناً ( قال مَخَرجاً ثم قرأ :( ومن يَتَققِ الله يَجْعَلْ له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ( ( الطلاق : ٣ )، وفسر بالتمييز بينهم وبين الكفار في الأحوال التي يُستحب فيها التمايز في أحوال الدنيا، فيشمل ذلك أحوالَ النفس : من الهداية، والمعرفة، والرضى، وانشراح القلب، وإزالةِ الحِقد والغل والحسد بينهم، والمكرِ والخداععِ وذميممِ الخلائق.
وقد أشعر قوله :( لكم ( أن الفرقان شيء نافع لهم فالظاهر أن المراد منه كل ما فيه مخرج لهم ونجاة من التباس الأحوال وارتباك الأمور وانبهام المقاصد، فيؤول إلى استقامة أحوال الحياة، حتى يكونوا مطمئني الباللِ منشرحي الخاطر وذلك يستدعي أن يكونوا : منصورين، غالبين، بُصراء بالأمور، كَمَلة الأخلاق سائرين في طريق الحق والرشد، وذلك هو ملاك استقامة الأمم، فاختيار الفرقان هنا، لأنه اللفظ الذي لا يؤدي غيرُه مُؤداه في هذا الغرض وذلك من تمَام الفصاحة.
والتقوى تشمل التوبة، فتكفير السيئات يصح أن يكون المراد به تكفير السيئات الفارطة التي تعقبها التقوى. ومفعول ) يغفر لكم (، محذوف وهو ما يستحق الغفران وذلك هو الذنب، ويتعين أن يحمل على نوع من الذنوب. وهو الصغائر التي عبر عنها باللمم، ويجوز العكس بأن يراد بالسيئات الصغائِر وبالمغفرة مغفرة الكبائر بالتوبة المعقبَة لها، وقيل التكفير الستر في الدنيا، والغفران عدم المؤاخذة بها في