" صفحة رقم ٣٣٤ "
العقاب سبباً في تأخير العذاب عنهم، وهذه مكرمة أكرم الله بها نبيه محمداً ( ﷺ ) فجعل وجوده في مكان مانعاً من نزول العذاب على أهله، فهذه الآية إخبار عما قدره الله فيما مضى.
وقال ابن عطية قالت فرقه نزلت هذه الآية كلها بمكة، وقال ابن أَبزى نزل قوله :( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ( بمكة إثر قولهم :( أو ائِتنا بعذاب أليم (، ونزل قوله :( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( عند خروج النبي ( ﷺ ) إلى المدينة وقد بقي بمكة مؤمنون يستغفرون، ونزل قوله :( وما لهم أن لا يُعذبهم الله ( ( الأنفال : ٣٤ ) بعد بدر.
وفي توجيه الخطاب بهذا إلى النبي ( ﷺ ) واجتلاب ضمير خطابه بقوله :( وأنتَ فيهم ( لطيفة من التكرمة إذ لم يقل : وما كان الله ليعذبهم وفيهم رسوله، كما قال :( وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ( ( آل عمران : ١٠١ ).
وأما قوله :( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( فقد أشكل على المفسرين نظمها، وحمل ذلك بعضهم على تفكيك الضمائر فجعل ضمائر الغيبة من ) يعذبهم (، و ) فيهم ( و ) معذبهم ( للمشركين، وجعل ضمير ) وهَم يستغفرون ( للمسلمين، فيكون عائِداً إلى مفهوم من الكلام يدل عليه ) يستغفرون ( فإنه لا يستغفر الله إلاّ المسلمون وعلى تأويل الإسناد فإنه إسناد الاستغفار لمن حل بينهم من المسلمين، بناء على أن المشركين لا يستغفرون الله من الشرك.
فالذي يظهر أنها جملة معترضة انتُهزت بها فرصة التهديد بتعقيبه بترغيب على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد، فبعد أن هدد المشركين بالعذاب ذكرهم بالتوبة من الشرك بطلب المغفرة من ربهم بأن يؤمنوا بأنه واحد، ويصدقوا رسولَه، فهو وعد بأن التوبة من الشرك تدْفع عنهم العَذاب وتكون لهم أمناً وذلك هو المراد بالاستغفار، إذ من البين أن ليس المراد ب ) يستغفرون ( أنهم يقولون : غفرانك اللهم ونحوه، إذ لا عبرة بالاستغفار بالقول والعملُ يخالفه فيكون قوله :( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( تحريضاً وذلك في الاستغفار وتلقيناً للتوبة زيادة في الإعذار لهم على معنى قوله :( ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( ( النساء : ١٤٧ ) وقوله :( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يَعودوا فقد مضت سُنَّةُ الأولين ( ( الأنفال : ٣٨ ).


الصفحة التالية
Icon